Friday, November 11, 2016

اختلاق بردية يروشالمه

اختلاق بردية يروشالمه

بقلم: أحمد الدَبَشْ
كاتِب وباحِث فلسطيني في التاريخِ القديمِ

ما فتئت (إسرائيل) تفتش عن شرعيتها في التاريخ القديم، مبررة وجودها على أساس من الحق التاريخي والديني في فلسطين. ولتأكيد هذه الحقوق التاريخية والدينية، قام الأثريون والباحثون بالتنقيب في كل مكان ورد اسمه في التوراة و«التوراة في يد والمجرفة في يد»، غير أن وسائلها تبدلت، إلى اصطناع آثار ولقى لتحقيق هذه الغاية.

في هذا الاطار، عرضت سلطة الآثار (الإسرائيلية)، خلال مؤتمر صحفي عقد في القدس، بتاريخ 26/10/2016؛ ورقة بردى يبلغ طولها 11 سنتيمترا وعرضها 2.5 سنتيمتر، وزعم علماء آثار «اسرائيليون»، إنها ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد (إلى نحو 2700 سنة)، وعليها كتابة بالعبرية «يروشَالِمه».

ووفق أقوال علماء الآثار المسؤولين، تعزز البردية الادعاء القائل إن الاسم العبري الأصلي لمدينة القدس هو « يروشَالِمه» وليس «يروشلايم» وهو الاسم الذي أصبح متبعا لاحقا. 

خلال المؤتمر الصحفي قال الباحثون، البروفيسور شموئيل احيتوف من الجامعة العبرية، والدكتور ايتان كلاين، وامير جانون من هيئة الآثار، بأن هذه الوثيقة هي شهادة تصدير لنوع من النبيذ تم إرساله من قبل الملك، من بلدة اسمها (نعراتا)، فى غور الأردن، شمال اريحا، وهذه هى المرة الأولى التى ظهر فيها اسم القدس على شهادة «أصلية» بالعبرية.
حسب هؤلاء الباحثين فأن هذه الوثيقة هى شهادة تصدير مؤقتة تم إرفاقها بالنبيذ، لكن الشهادة والبضاعة لم تصل إلى هدفها، وإنما تم سرقتها فى الطريق، وتدحرجت الشهادة إلى مغارة فى الضفة.

وجاء في نص البردية الهشة: « خادمة الملك من نعرتا أوعية نبيد إلى يروشالمه». 

قال امير جانون من هيئة الآثار، خلال عرض ورقة البردى على الصحافة «انها بالنسبة لللآثار (الاسرائيلية) اول مرة يرد فيها اسم القدس بالعبرية خارج التوراة». واعتبر ان «للمخطوطة قيمة تجارية كبيرة جدا لكن قيمتها الاثرية اكبر لانها تتعلق بتاريخ الشعب اليهودي، بهذا البلد، ولا سيما بالقدس».
استغل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو عرض هذه الوثيقة للتعقيب على قرار اليونسكو ضد الكيان الصهيوني، وقال: «تم اليوم تفنيد هذا التشويه بواسطة شهادة أخرى نشرتها سلطة الآثار لدينا، هذه شهادة تصدير كتبت باللغة العبرية القديمة، وهذه هى الكلمة الحاسمة، يمكنكم رؤية ذلك بالعبرية. مكتوب «يروشلمه»... هذه رسالة من الماضى إلى اليونسكو. هذا يشرح ارتباطنا بالقدس ومركزية القدس.. ليس بالعربية، ليس بالآرامية ولا باليونانية ولا اللاتينية، بل بالعبرية».

إن هذه الوثيقة، التى دخلت في «عِلم الآثار التوراتي»، على أنها أول وثيقة من «مصدر مُستقِل»، تُثبِت الصِلَة ما بين القدس الفلسطينية، واليهود، لن تستطيع أن تقف صامدة أمام النقد الصارم، فليس من الصعب فضح التزوير في الوثيقة؛ بالرغم من تأريخ الوثيقة حسب الكربون المشع ـ 14، فهذ التأريخ ليس كافياً لضمان صحة الوثيقة أو أصالتها، لأن التأريخ لا يقول شيئا عن الكتابة التى عليها، فمن الممكن أن تكون ورقة البردى قديمة، وتم شرائها والكتابة عليها بواسطة أحد المزورين. وهذا يفسر لنا بقاء ورقة البردى طوال هذه الفترة متماسكة، في ظل مناخ رطب في بلادنا فلسطين. ويفسر لنا (أيضاً) أن الحبر المكتوب به النص لم يتأثر مع الزمن. 

علاوة على ذلك فقد اختار من كتب الوثيقة كلمتين «نادرتان» الاستخدام، وهما (يورشالمه) و(نعرتاه) لينقشهما عليها ليثبت أن الوثيقة أصلية.

أما ما أثير من أن الوثيقة كتبت باللغة العبرية القديمة، فهذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي، هل كانت هناك لغة «عبرية» قديمة؟! بالرغم من عدم وجود قوم في التاريخ القديم يسمى بـ«العبرانيين»؟! فالمطلع ولو قليلاً، على النصوص الآثارية يري جيداً أن هذا التسليم المطمئن ينطوي على مغالطات تاريخية فمعظم الذين كتبوا في هذا الموضوع أشاروا إلى وجود موجة لأناس يسمون «العبريين» دون دليل اللهم إلا الدليل التوراتي وغير الكامل في هذه النقطة. فمصطلح «العبرية»، التي ليست إلا وهماً معقداً ومستمراً لشعوذة اشتقاقية لغوية.

من الجدير بالذكر، أن كلمة «أورشليم» لم تأتى من خارج النص التوراتي، وما يقال عن وردها في الوثائق المصرية القديمة، هو ضرب من الدجل التاريخي، فالكلمة التي وجد فيها الباحثون إشارة إلى «أورشليم» هي «أُشاموم»، والتى قراءها العالم الألماني سيث (K. Sathe)، في العام 1925، في عدد من النصوص ففسرها بأنها «أورشالم». والقراءه الصحيحة للأسم هي «أُشاموم» كما قرائها د. أحمد فخري، ود. عبد الحميد زايد. وقد بين ذلك كاتب المقال (أحمد الدبش) في مؤلفاته «كنعان وملوك بني إسرائيل في جزيرة العرب» (2005)، «اختطاف أورشليم» (2011). من هذا كله، أعتقد أن الوثيقة «مُزيَّفة».

أخيراً، نعيد التأكيد على أن صورة إسرائيل، كما وردت في الكتاب المقدس، ما هي إلا قصة خيالية، وتلفيق تاريخي.



القدسُ ليست أورشليم

القدسُ ليست أورشليم

بقلم: أحمد الدَبَشْ
كاتِب وباحِث فلسطيني في التاريخِ القديمِ

عنوانُ هذا المقالِ مستعار من عنوانِ كتابِ الصديقِ الباحثِ العراقي، فاضل الربيعي، الموسوم «القدسُ ليست أورشليم، مساهمةُ في تصحيحِ تاريخِ فلسطينِ»، الذي صدر في العام 2010. في هذا الكتابِ، طرح الربيعي بوضوحِ النظرية التي تؤكد إن "القدسُ الفلسطينيةُ ليست أورشليم التوراةِ". وبالرغم من أن الراحلَ د. كمال الصليبي، قد أشار إلى ذلك في عدةِ أعمال له، منذُ العامِ 1985؛ وذهبَ الباحثُ العربي، فرج الله صالح ديب، في كتابهِ «التوراةُ العربيةِ وأورشليمُ اليمنيةِ»، الذي صدرَ في العامِ 1994، إلى أن "مدينةَ أورشليم يمنية"؛ وأشار الباحث المصري، أحمد عيد، إلى ذلك في كتابه «جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة»، الذي صدر في العام 1996، وطرح كاتب المقال، الباحث أحمد الدبش، في كتابهِ «كنعان وملوك بني إسرائيل في جزيرة العرب»، الذي صدر في العام 2006، السؤال الآتى:

هل كانت (أورشليم) في اليمنِ؟! وحاولَ عددٌ من الباحثينَ تتبُّع ملوك بني إسرائيل في عدّةِ أماكنَ خارج بلادنا فلسطين. 

إلا أن الربيعي كان أكثر من كتبوا في هذا الموضوعِ وضوحًا؛ فقد قدَّم الربيعي هذهِ النظرية استناداً إلى قراءتهِ للتوراةِ باللغةِ العبريةِ، والاعتمادِ على مؤلفاتِ الهمداني، والمصادرِ العربيةِ القديمةِ، والاستعانةِ بالشعرِ العربي القديمِ. 

على أيّة حال؛ فقد تعرَّض أصحاب هذا الاتجاهِ إلى النقدِ والتجريحِ من قِبَلِ بعض الباحثينَ، الذين اصطنعوا صرحاً تاريخياً وهمياً لوجود بني إسرائيل في فلسطين؛ صرحاً لا ينبنى على حقائقِ تاريخيةِ أو جغرافيةِ أو دينيةِ.

هل نحنُ أصحابَ هذه النظريةِ؟!

من الجديرِ بالانتباهِ، أن أطروحات الباحثينَ التي تَعتبر (عسير)، أو (اليمن)، أو (الجزيرةِ العربيةِ) عموماً هي المسرح الجغرافي والتاريخي لملوكِ بني إسرائيلَ ليست بجديدة؛ فقد سبقهم العديد من الباحثين المستشرقينَ الثقاة؛ ففي عام 1907، بدأت أكاديميةُ فينيا، بإصدارِ مؤلَّفِ المستشرقِ النمساوي (Alois Musil)، بعنوان «Arabia Petraea» في أربعة أجزاء، والذي كتبهُ أثناءَ زيارتهِ لمواقعِ التاريخ التوراتي، أملاً في أن يفهمَ التوراة من خلالِ الطبيعةِ التي وُلِدَت فيها، وأدرك (Alois Musil) في حينهِ، وقبل غيرهِ، ما توصَّل إليه الباحثون العرب.

بل لقد ذهبَ المستشرقُ مرجوليوث، إلى أن "الوطنَ الأصلي لبني إسرائيل لم يكن في شبهِ جزيرةِ سيناءِ؛ بل كان ببلادِ اليمنِ التي خرجت منها أمم كثيرةً من أقدمِ الأزمنةِ التاريخيةِ". 

وقد ألَّفَ المستشرقُ الألماني هوغو ونكلر (Hugo Winckler) رسالتهُ المثيرةِ للجدلِ التي أسماها «مصري وملوخا ومعين»؛ وهي التى تبنّى فيها هذا الاتجاه.

القدسُ ليست أورشليمَ أو يبوسَ
ذهبَ أكثريةُ الباحثينَ إلى رفضِ نظريةِ «القدسَ ليست أورشليمَ» استناداً إلى سببيْن؛ الأول أن مدينة أورشليم ذُكِرت في النصوصِ المصريةِ القديمةِ؛ أما السبب الثاني فهو أن النصوصَ القرآنيةَ تُشيرُ إلى داوودِ وسليمانِ؟! 

هنا أجد لزاماً علينا إبداء بعضَ الملاحظاتِ، لم يتطرَّق لها باحثو اتجاه «جغرافيةَ الكتابِ المقدسِ»، وقد ذكرتها في مؤلفي «اختطاف أورشليم»، في عام 2013: 
أولاً: لا وجودَ لمدينةِ القدسِ قبل القرنِ السابعَ قبل الميلادِ أثرياً؛ (تومس طومسون، كيث وايتلام، يسرائيل فلنكشتاين، مرجريت شنايدر، نيلز لمكة، وغيرهم من الباحثين). 

ثانياً: في العامِ 1926، قامَ العالمُ الألماني سيث (K. Sathe) بترجمةِ نصوصَ اللعنةِ المصريةِ في القرن التاسع عشر ق.م.، والتعليق عليها. وقد لفت نظر سيث (K. Sathe) كلمةَ «أوشام» (Awsamm)، في عددٍ من هذه النصوصِ، ففسَّرها بأنها «أورشالم».

ثالثاً: إذن الكلمةُ التي وَجدَ فيها الباحثونَ إشارةً إلى (أورشليم)، هي (Rw'szmm) الهيروغليفية؛ فقد قُرِأتَ الكلمةَ على أنها اسمَ مكان، ورُجِّح أن طريقةَ لفظها هي الطريقةِ المصريةِ للفظ كلمةِ أورشليمِ، التي كانت بالنسبة إليهم اسماً أجنبياً لبلدٍ أجنبي، يُقرأ على نحو يشبه (أ) رو ـ شاليموم (“U” rushalimum)؛ وهي قراءة قريبة من قراءةِ وثائق تل العمارنة اللاحقة للاسمِ، ولكن هذه القراءةِ لقيت معارَضة من الباحثِ ناداف نعمان (N. Na’aman)، الذي يرى أن الشطرَ الأولَ من الكلمةِ يجب أن يُقرأ روش (ros) ويعني رأس. أما الشطر الثاني فيُقرأ راميم، لتصبحَ الكلمة "روش ـ راميم" (Roshramem). 

رابعاً: عند قراءةَ النقشِ بهدوءِ نجد أنّ الاسم ليس «أورشليم» كما بيّنا؛ بل هو: «أُشاموم»، وتعني الشام نفسها مموّمة (مثل التنوين)؛ وإليكم النقش (صورة النقش مرفق):
احتوى النقش مخصص للأرض وليس مخصص للمدينة.
أُ شام [وم] مثل التنوين = شامٌ. 
حيث [أُ] سابقة تفيد التنبيه، حيث أقول: [أمهيبة] بمعنى [مهيبة] (اسم علم من نقوش أجاريت). وأقول [أُجاريت] لتعني [جريت = جرية = قرية = مدينة] (نقوش أجاريت).
فإذا كانت أورشليم فأين الراء وأين اللام.
ثم إنّ المخصّص الدالّ على الكلمة هو لأرض واسعة . 


خامساً: ذَكرتَ التوراةُ في العديدِ من المواضع اسماً آخر لأورشليمِ؛ هو «يبوس». وبالرغم من ذِكر التوراة لهذا الاسمِ؛ إلا أن الوثائقَ الأثريةَ قد صمتت بخصوصهِ صمتاً مطبقاً. 

سادساً: لا نجد في كلِ سورِ القرآنِ الكريمِ، التي تتحدَّث عن داوودِ، وابنهِ سليمان أقل دليل، أو حتى تلميح على وجودِ المملكةِ الداوديَّةِ ــ السليمانيَّةِ في بلادِنا فلسطين؛ علاوةً على ذلك، فإنه عندما فتحَ المسلمون بيتَ المقدسِ،في عام 636 ميلادياً، لم يكن بها أي أثر لمعبدٍ يهودي؛ بل ولا حتى ليهودي مقيم؛ وهذا يبدو جلياً من وثيقةِ الأمانِ التي أعطاها أميرُ المؤمنينَ، عمر بن الخطاب (رضي اللهُ عنهُ) لأهلِ إيليا؛ فقد تضمَّنتَ الوثيقةُ نصاً على: [ألا يسكن بإيليا (القدس) معهم أحدًا من اليهودِ]. 

سابعاً: جاء في القرآنِ الكريمِ عن حديثِ الهدهدِ مع سليمانِ: "فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ". وإذا عَنَتْ جملة "فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ"؛ أي غابَ الهدهدُ غيبةً ليست طويلة، ثم قدم منها. وقصرُ المدةِ الزمنيّةِ تعني قصرُ المسافةِ المكانيّةِ، فإنما يدلَ على أن مملكةَ سليمانُ لم تكن بعيدة عن أرضِ سبأ (اليمن)، نظراً لقِصرِ المدةِ الزمنيَّةِ لرحلةِ الهدهدِ، وبالتالي قصرِ المسافةِ المكانيَّةِ.

كل ما يمكن قوله، في النهاية، أتمنى أن يُتابعَ المؤرخونَ والباحثونَ، تحقيقاتهم حول هذا الموضوع، خدمةً لتاريخِنا الذي تعبثُ بهِ الأيدي؛ فإعادة صياغة تاريخنا، وتحريره من قبضةِ الدراساتِ التوراتيّةِ، ليست وقفاً على الأكاديميينَ وحدهم؟!



اليونسكو وشبح اليهود!

اليونسكو وشبح اليهود!


بقلم: أحمد الدَبَشْ
كاتِب وباحِث فلسطيني في التاريخِ القديمِ

صادقت لجنة المدراء التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» يوم الخميس (13/10/2016) خلال اجتماع عقد في العاصمة الفرنسية باريس، على قرار ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق. ويؤكد القرار على أنه: «لا علاقة أو رابط تاريخي أو ثقافي لليهود في مدينة القدس والمسجد الأقصى »، على أن يُصوّت المجلس التنفيذي للمنظمة، الثلاثاء المُقبل (18/10/2016)، على قرارين جديدين يهدفان إلى «الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس الشرقية». وحدّد القرار هوية المسجد الأقصى، وتضمّن بنداً خاصّاً يتعلّق بالحرم القدسي، ويعرض فيه المكان على أنه مُقدّس للمُسلمين فقط، من دون أي اشارة الى قدسيته بالنسبة لليهود. 

كما لا يظهر في مشروع القرار أي ذكر لكلمات «جبل الهيكل» (Temple Mount)، وإنما يُكنّى فقط بأسمائه الإسلامية، المسجد الأقصى، والحرم الشريف. كما تُسمى منطقة الحائط الغربي باسمها العربي الاسلامي ـ ساحة البراق، التي سعت إسرائيل بشكل مستمر لتزوير هويته الإسلامية بإطلاق مسمى «جبل الهيكل» عليه.

اعتبرت وزارة الخارجية الصهيونية أن القرار يأتي «لتقويض الصلة اليهودية بالقدس». ووصف رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ما يجري داخل المنظمة الدولية بـ «المسرح الهزلي السخيف». وقال: «مسرح العبث في اليونسكو مستمر واليوم تبنّت المنظمة قرارا مضللا آخر يقول إن الشعب (الإسرائيلي) ليس له ارتباط بجبل الهيكل والحائط الغربي، إعلان أن (إسرائيل) ليس لها علاقة بجبل الهيكل والحائط الغربي أشبه بالقول إن الصين ليس لها علاقة بسور الصين العظيم أو أن مصر ليس لها علاقة بالأهرام». 

أن أهمية هذا القرار ليست تاريخية وأثرية فقط، وإنما سياسية أيضاً، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن دولة (إسرائيل) الحديثة ترجع مطالبتها التاريخية والطبيعية إلى دولة العصر الحديدي [مملكة داود وسليمان]. فقد أشار إعلان الاستقلال (دولة إسرائيل الحديثة) الذي أصدره مجلس الأمة المؤقت في تل أبيب في 14/5/1948؛ إلى «إعادة بناء الدولة اليهودية» (re-establishment of the Jewish state)، وما هذا التعبير إلا صياغة لوعد بلفور الذي أعلن قبل واحد وثلاثين عاماً من إنشاء الدولة، ذلك الوعد الذي تحدث عن «إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين».

ففي السنوات الأخيرة، بدأ الإجماع على فكرة وجود المملكة الدوادية ـ السليمانية يتداعى تدريجياً، وإن كانت هذه الفكرة لا تزال تهيمن على خطاب الدراسات التوراتية، ومن يواليهم أصحاب الفكر الآسن حراسه من بعض الأكاديميين العرب. فقد أصدر ليتش، نقداً معتدلاً في حدته للاستخدام التاريخي للقصص التوراتية من منظور (أنثروبولوجي) بنيوى. والموضوع السائد في كتابه هو أن الكتاب العبري بوصفه نصاً مقدساً لا يوفر مصدراً تاريخياً ولا يعكس بالضرورة حقيقة عن الماضي. إنه يمثل عند ليتش، تبريراً للماضي يكشف عن عالم القصّاصين أكثر مما يكشف عن أية حقيقة تاريخية. ويطرح أسئلة مهمة جداً تثير شكوكاً حول التقديمات السائدة لحكمي داود وسليمان، وتُسائل تاريخية هذه المرحلة الهامة كما قُدمت في الموروثات الكتابية؛ أنا شخصياً أرى ذلك غير قابل للتصديق. ليس هناك أي دليل أثري على وجود هذين البطلين أو على وقوع أي من الأحداث التي ارتبطت بهما. ولو لا قداسة هذه القصص لكان وجودهما التاريخي مرفوضاً بالتأكيد.

شكك عالم الآثار يسرائيل فنكلشتاين، من جامعة تل أبيب بوجود أي صلة لليهود بالقدس، جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة «جيروساليم ريبورت» الصهيونية، توضح فيه وجهة نظر فنكلشتاين، الذي أكد أنه لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على وجود داود، هذا الملك المحارب الذي اتخذ القدس عاصمة له والذي سيأتي (الميا) من صلبه للإشراف على بناء الهيكل الثالث، مؤكداً أن شخصية داود كزعيم يحظى بتكريم كبير لأنه وحد مملكتي يهودا وإسرائيل هو مجرد وهم وخيال لم يكن لها وجود حقيقي. كما يؤكد فنكلشتاين أن وجود باني الهيكل وهو سليمان بن داود مشكوك فيه أيضاً.

يشير مِلَّر، إلى أنه ليس هناك دليل على المملكة الداودية ــ السليمانية خارج التقاليد والموروثات الكتابية، المؤرخون الذين يتحدثون عن هذا الكيان إنما يفترضون مسبقاً صحة المعلومات التي يأخذونها من الكتاب العبري.

يقول العلاّمة طمسن، في كتابه «الماضي الخرافي (التوراة والتاريخ)»: «جرى تقديم ــ القرن العاشر ق.م ــ بوصفه العصر الذهبي لإسرائيل وعاصمتها في أورشليم. كانت تلك الحقبة مرتبطة بالمملكة المتحدة التي تضم السلطة السياسية لشاول وداود وسليمان وتسيطر على الجسر البري الضخم من النيل إلى الفرات. إضافة إلى مفهومها عن الهيكل الذي بناه سليمان بوصفه مركزاً لعبادة يهوه. تلك الصور لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي. إننا نعرفها فقط كقصة، وما نعرفه حول هذه القصص لا يشجعنا على معاملتها كما لو أنها تاريخية، أو أنه كان يقصد منها أن تكون كذلك. ولا يتوافر دليل على وجود مملكة متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم، أو وجود أي قوة سياسية موحدة متماسكة، هيمنت على فلسطين الغربية، ناهيك عن إمبراطورية بالحجم الذي تصفه الحكايات الأسطورية. ولا يتوافر أي دليل على وجود ملوك يدعون شاول أو داود أو سليمان؛ ولا نملك دليلاً على وجود هيكل في أورشليم في هذه الفترة المبكرة. ما نعرفه عن إسرائيل ويهوذا القرن العاشر لا يسمح لنا بتفسير انعدام الدليل هذا بوصفه فجوة في معرفتنا ومعلوماتنا حول الماضي، أو مجرد نتيجة للطبيعة العرضية للآثاريات. ما من متسع ولا سياق، لا شيء مصطنع أو أرشيف يشير إلى مثل هذه الحقائق التاريخية في القرن العاشر في فلسطين. لا يمكن للمرء أن يتكلم على دولة بلا سكان. ولا يمكنه أن يتكلم عن عاصمة من دون بلدة. والقصص ليست كافية».

إذن لا يوجد متسع لمملكة متحدة تاريخية أو لملوك كأولئك الذين جرى تقديمهم في القصص الكتابية لشاول وداود وسليمان. إن الحقبة المبكرة التي تؤطر فيها التراثات حكاياتها هي عالم خيالي من زمن غابر لم يوجد على هذا النحو أبداً .. لم يكن من الممكن أن توجد مملكة لأي شاول أو لأي داود ليكون ملكاً عليها، ببساطة لأنه لم يكن ثمة ما يكفي من الناس. دولة يهوذا لم تكن فقط غير موجودة بعد، بل إننا لا نملك أي دليل على وجود أي قوة سياسية في أي مكان في فلسطين كانت كبيرة بما يكفي، أو متطورة بما يكفي لأن تكون قادرة على توحيد الاقتصادات والأقاليم العديدة لهذه البلاد. في هذا الوقت كانت فلسطين أقل توحداً بكثير مما كانت عليه لأكثر من ألف عام. ويكاد الحديث أن يكون غير ممكن تاريخياً عن أورشليم القرن العاشر. فلو وجدت إطلاقاً، ولم تعثر سنوات من التنقيب على أي أثر لبلدة من القرن العاشر، لكانت ما تزال تبعد قروناً عن امتلاك المقدرة على تحدي أي من (العشرينيات) أو أكثر، من بلدات فلسطين القوية المتمتعة بالحكم الذاتي.

يقول فنكلشتاين، وسلبرمان: «وكما رأينا، فإنه لا وجود لشواهد أركيولوجية مقنعة على وجود مملكة تاريخية موحدة اشتملت على جميع أراضي إسرائيل -فلسطين-، وكانت عاصمتها في أورشليم». 

يقول دايفيد أوسشكين، أستاذ الآثار في جامعة تل أبيب: «من منظور علم الآثار ليس هناك ما يمكن معرفته عن جبل الهيكل في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلا».أما جين كاهل، أستاذة آثار في الجامعة العبرية: «ليس هناك أي بقايا آثارية في القدس يمكن أن تعرف بثقة بأنها تعود إلي أي بناء سماه الكتب». ويؤكد نايلز بيتر لمكه، أستاذ الدراسات التوراتية في جامعة كوبنهاجن: «لم يكتشف نقش واحد يعود إلى زمنهما [داود وسليمان] ولم تكتشف كسرة واحدة من بناء عظيم». 
في استعراض غبريل باركاي (Gabriel Barkay) لآثار فترة العصر الحديدي الثاني يتوصل إلى الاستنتاج الذي يقول: «إن التحديد الدقيق لتاريخ طبقات التوطين ومجموعات اللقى العائدة للقرنين العاشر والتاسع قبل التاريخ الشائع محفوف بالمصاعب». كما يضطر لأن يستنتج أن «فكرة المجد» التي تنبثق من الروايات الكتابية لا تتطابق مع «الواقع الذي تعكسه اللقى الأثرية». 

أخيراً، القرار لم يأتى بجديد، وإنما أكد على ما توصل إليه العلماء من أن المملكة الداوديةـ السليمانية، ليست أكثر من اختراع توراتي تنفيه كل الوقائع الأركيولوجية والتاريخية في بلادنا فلسطين.



Monday, October 31, 2016

وهــم الـعـلـم / عرض كتاب الدكتور: روبرت شيلدريك

وهـــم الــعــلـم*
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker


* تم نشر هذه الأفكار في كتاب تحت عنوان: (The Science Delusion) في 1 يناير 2012 م. للدكتور: (روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake).
من مواليد (28 يونيو 1942م) لديه جنسية البريطانية. دكتوراه في "الكيمياء الحيوية" من جامعة "كامبريدج". 

ما فعله في الكتاب هو أنه أخذ العقائد – أو الادعاءات – العشرة للعلم وحولها إلى أسئلة. ويقول إذا نظرنا إلى هذه العقائد بطريقة علمية، سنرى أنها لن تصمد بشكل مُرْضٍ !.. 

وهم العلم: هو الاعتقاد بأن العلم تمكن فعلياً من فهم طبيعة الواقع. أي أنه نظرياً، لم يترك لنا سوا التفاصيل ليتم تدوينها. 

هذا اعتقاد شائع جداً في مجتمعنا إنه أحد أنواع الاعتقادات التي يدين بها الناس الذين يقولون: "نحن لا نؤمن بالله، بل نؤمن بالعلم" إنه نظام عقائدي يتم التبشير به اليوم في كل أقطار الأرض. ولكن هناك صراع يحدث في قلب العلم، بين "العلم" كوسيلة بحث مبنية على الأسباب، والأدلة، والفرضيات، والبحث الجماعي. وبين "العلم" كنظام عقائدي، أو كتصور معين عن العالم. وللأسف أن العلم "كنظام عقائدي" يكبح ويقيد "البحث الحر" الذي يمثل دم الحياة في جسد التقدم العلمي. منذ أواخر القرن التاسع عشر، تم تطويع العلم "للفلسفة المادية"(1). 

العلوم اليوم بالكامل مطوّعة لصالح النظرة المادية للعلم إنني أعتقد أنه كلما انخلعنا عن هذه النظرة المادية، كلما تم بعث العلوم من جديد. 

جوهرياً، العقائد العشرة التي تمثل النظرة الافتراضية التي يُنظر بها للعالم عند معظم النخب العلمية حول العالم.هي: 

العقيدة الأولى: الطبيعة ميكانيكية أو كالآلة. 

الكون هو كآله، الحيوانات والنباتات هي كالآلات. نحن البشر كالآلات، بل – في الحقيقة – نحن فعلياً آلات نحن روبوتات (خرقاء) – كما يقول ريتشارد دوكنز – بعقول عبارة عن كمبيوترات مبرمجة جينياً.  

العقيدة الثانية: المادة غير واعية. 

كل الكون تَخَلَّق من مادة غير واعية وليس هنالك أي وعي في النجوم، في المجرات، في الكواكب، في الحيوانات، في النباتات، ولا حتى في أحدنا كذلك – لو صحت هذه النظرية – إذن، فالكثير من الفلسفات العقلية خلال المائة سنة الماضية، كانت تحاول أن تثبت أننا لا نملك – في الحقيقة – وعياً على الإطلاق. إذن، فالمادة غير واعية، وقوانين الطبيعة ثابتة. 

العقيدة الثالثة: قوانين الطبيعة ثابتة.

هي الآن نفسها كما كانت خلال (الانفجار العظيم)(2)، وستكون هي نفسها للأبد. ليس فقط القوانين، وإنما حتى "ثوابت الطبيعة"(3) هي كذلك غير متغيرة، ولذلك تسمى "ثوابت".  

العقيدة الرابعة: مجموع المادة والطاقة هو دائماً نفسه. 

إنه لا يتغير أبداً في مجموعه الكميّ باستثناء لحظات (الانفجار العظيم) عندما ظهر كل شيء في الوجود، من لاشيء وفي لحظة واحدة.  

العقيدة الخامسة: الطبيعة هي بلا غاية (عبثية). 

ليس هنالك أي غايات من كل الطبيعة، والعملية التطورية ليس لها أي غاية أو اتجاه.  

العقيدة السادسة: الوراثة البيولوجية(4) هي مادية.  

كل شيء ورثته هو في جيناتك، أو في "التحولات الفوق جينية"(5) لجيناتك أو عبر "الوراثة السيتوبلازمية"(6)، كلها أمور مادية.  

  العقيدة السابعة: الذكريات هي مخزنة في دماغك بصفتها أثاراً مادية بطريقة ما.  

كل ما تتذكره في دماغك، هو نهايات عصبية معدلة، بروتينات مُفسفرة(7) – والتي لا أحد يعلم كيف تعمل ! – ومع ذلك، فتقريباً كل من في المجتمع العلمي يؤمن بأن (الأفكار) لا بد أن يكون في الدماغ وحده.  

العقيدة الثامنة: عقلك يوجد في داخل رأسك.  

وعيك بكامله هو عبارة عن نشاط دماغك، ولا شيء غير ذلك.  

العقيدة التاسعة: الظواهر النفسية، مثل: توارد الخواطر، هي أمور لا يمكن حدوثها.  

وهي تتفرع من العقيدة الثامنة. أن نواياك وأفكارك، لا يمكن أن يكون لها أثر يتعدى المكان، لأنها تكمن في داخل عقلك، وعقلك هو فقط موجود داخل رأسك (أي الدماغ) لذلك، فكل الأدلة الموجودة على الظواهر النفسية، كـ "توارد الخواطر" هي وهمية.  إن الناس يؤمنون بهذه الظواهر، لكنهم يؤمنون لأنهم إما لا يعرفون ما يكفي عن الإحصائيات، أو أن الصُّدَفْ قد خدعتهم، أو أنه مجرد آثار التفكير الحالم عليهم.  

العقيدة العاشرة: الطب الميكانيكي (الذي يتعامل مع الجسد المادي) هو الطريقة الوحيدة الفعالة للعلاج.  

وهذا هو السبب الذي يجعل الحكومات تدعم فقط بحوث "الطب الميكانيكي"(8) متجاهلةً "الطب البديل"(9)، وهذه الأنواع من الطب – في النظرة العلمية القائمة – من المستحيل أن تعالج فعلاً لأنها غير ميكانيكية. وإذا بدا أحياناً أن هذا النوع من العلاج قد أحدث أثراً بالفعل فإما لأن المريض قد شُفي أصلاً، أو لأنه مجرد تأثير "الدواء الوهمي"(10) لكن الطب الوحيد المؤثر فعلاً، هو الطب الميكانيكي.      

  هذه العقائد العشرة التي تكلمت عنها هي النظرة النمطية السائدة في المجتمع العلمي والتي يتمسك بها – تقريباً – كل الأفراد المتعلمين حول العالم إنها تُمثل الأساس للأنظمة التعليمية، والخدمات الصحية ومجالس البحوث الطبية، والحكومات إنها ببساطة النظرة السائدة للعالم عند الأفراد المتعلمين.  

أن كل واحدة من هذه العقائد مثيرٌ للشك جداً جداً وعندما تتأمل أيّاً منها بدقة، فإنها تتهاوى.     

  ------------------------------------------------------------------------------------ 

(1) المادية: هي فلسفة إلحادية تقول بأن المادة أزلية (ليس لها بداية ولا نهاية)، وأن كل شيء موجود هو من خلقها وحدها وتفسر كل الظواهر تفسيراً مادياً وترفض كل تفسير ميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة) مثل: الله – تعالى – والروح والنفس والعقل...الخ.  

(2) لقد تحدثت عنها بالتفصيل في كتابي السابق "نشأة الكون"من هذه السلسلة. فهي أحد النظريات الفيزيائية التي تفسر نشأة الكون، وموجزها أن الكون كله قبل نشأته كان مضغوطاً في كتلة غازية صغيرة جداً عظيمة الوهج والكثافة والحرارة، ثم بدأ يتوسع طيلة الأربعة عشر بليون سنة إلى يومنا هذا.  

(3) المقصود بها هي الحسابات الثابتة دائماً، مثل سرعة الضوء والصوت.  

(4) هي الصفات الجسمية أو الطبيعية الموروثة من الأسلاف. 

 (5) (Epigenetic Modification) هي التغيرات التي طرأت على الجين ولكن عبر مؤثرات غير مرتبطة بالحمض النووي. 

 (6) (Cytoplasmic Lnheritance) هي أن كل ما يتعلق بالجينات يحدث داخل النواة، لكن الوراثة السيتوبلازمية هي عندما يحدث تمرير للجينات إلى الجنين من خلال عُضية أخرى غير النواة (نواه الحيوان المنوي أو البويضة) سواء عضية داخلية مثل الميتوكندريا، أو خارجية مثل الفايروسات. 

(7) النظرة المادية تفسر الأفكار – بما فيها الذكريات – بأنها مجرد تفاعلات كيميائية فسفورية في الدماغ، وتقول أن الفضائل والرذائل والأخلاق ليست سوى اهتزازات عصبية وذلك لأنها تنكر العقل والنفس والروح، أي تنكر الأبعاد "الفوق – مادية" للإنسان.

(8) هو تعبير يُشير إلى أن التصور السائد عن الجسم البشري في المجتمع العلمي الطبي، أنه جسم مادي آلي ليس أكثر من ذلك.

(9) هو مثل طب الوخز بالإبر الصيني، الذي يعالج عن طريق مسارات الطاقة في الجسم. 

  (10) هو دواء يهدف إلى خدع المريض، إذ لا يحتوي إلا على عناصر خاملة غير فعالة، وفي أغلب الأحيان فإن المريض يتحسن فعلاً تحت أثر الوهم بأن العلاج المتناول له قدرة شفائية ويتدرج العلاج بالوهم حتى يصل لعمليات جراحية وهمية.      

(روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake)


صورة الكتاب 

Saturday, October 29, 2016

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الثاني

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الثاني
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker

أستكمل معكم ما بدأته في المقال السابق
http://thinkermofaker.blogspot.com/2016/10/blog-post_11.html



الدنا المتميّز:

تقول "كاثرين پولارد": "تكشف المقارنات بين جينومي الإنسان والشمبانزي تلك الامتدادات النادرة من الدنا التي ننفرد بها وحدنا".


(شكل:2): أدت الجهود المبذولة لكشف الدنا المميّز للبشر إلى عدد من المتواليات المتميّزة في البشر مقارنة بالشمبانزيات. وفي هذا الشكل قائمة جزئية بهذه المتواليات مع بعض وظائفها.

النسبة تقل: 

كثيرا ما يتبجح الملاحدة و التطوريين بالتشابه بين كروموسوم الإنسان وكروموسوم الشمبانزي لإثبات نظرية التطور وبالأخص لنفي خلق الإنسان بالصورة التكريمية ولكن العلم كلما تقدم أكثر كلما كشف زيف هذه الادعاءات وأنها كانت مبنية على افتراضات لا أساس علمي لها وأخيرا تم اكتشاف أن الكروموسوم الذكري (Y) بين الإنسان والشمبانزي مختلف اختلافا كبيرا لا يمكن معه أن يكونا لأصل واحد(1). 

يقول التطوريين أننا نحن "البشر" نتشابه في جيناتنا مع الشمبانزي بنسبة 98 %. وقد أتت الدراسات الحديثة الموسعة على مناطق أكبر من الجينوم لتثبت عكس ذلك الادعاء. فقد وصفت مجلة (أبحاث الجينوم Genome Research) العلمية المحكّمة المرموقة أن مقارنة جينوم الإنسان بذلك الخاص بالشمبانزي هو يشبه البحث عن إبرة في أكوامٍ من القش(2). وتقرر المجلة أن نسبة تقارب الإنسان والشمبانزي ليست 98% كما يزعمون، بل هي 96%. ومؤخرًا النسبة تترواح بين 93% و95%.  

بل وأيضاً الدراسات الحديثة تقول أن نسبة التشابه تقل إلى ما يقارب 86 % كحد أقصى للتشابهه بين الإنسان والشمبانزى ولا زال الفرق يزداد توسعا كلما توغل العلماء في الدراسة المتأنية(3). 


كما أوضحت تلك الدراسات وجود مناطق لكتل كبيره من الجينوم متطابقة من حيث الإدراج والحذف بين الإنسان والغوريلا وغياب تلك العلاقة في الشمبانزى وهو من المفترض تطوريا انه أكثر قرابة من الغوريلا للإنسان بالإضافة إلى اكتشاف أكثر من 15 % من التماثل بين الإنسان والغوريلا واختلافهم بها عن الشمبانزى فيما يتعلق بقدرات السمع التي من المفترض تطوريا أن الإنسان تميز بها عن الشمبانزى بعد الانفصال فكيف يفسر التطوريون وجودها في الغوريلا وهى قريب أبعد ؟!  

فكيف تظهر بالغوريلا ثم تختفي بالشمبانزى ثم تظهر مره أخرى بالإنسان بنفس الطريقة ؟ 

يقول التطوري "هنري جي Henry Gee" المحرر العلمي في مجلة الطبيعة Nature الشهيرة عن مسألة وجود نسب بين الإنسان والحيوان بناءً على تراص القواعد النكليوتيدية عن أن الأمر لا يعدو مجرد حدوته فيقول: "وكل ما في الأمر أنها مجرد حكاية أو حدوته من أحاجي منتصف الليل المسلية التي قد تكون مُوَجِّهَةً أو مُرْشِدَةً للإنسان في كثيرٍ من الأحيان إلا أنها ومع ذلك لا تستند لأيّ أساسٍ علمي"(4).   

و التشابه الشديد مع الإنسان ليس أمرًا حصرياً بالشمبانزي ! لكن هم يريدون التركيز على ذلك لدعاوى أيديولوجية ومقدمات عقائدية معلومة. وإلا فنسبة التشابه بين الإنسان والفأر 99%!(5). 

إذن المفترض أن الفأر أقرب للإنسان من الشمبانزي ! هم يركزون على دعاوى ومقدمات لديهم ثم يُخضعون المعطى العلمي لمقدماتهم ويتجاهلون بقية المعطيات!

ألسنا لو اعتمدنا أحجية التشابه الجيني تلك، يمكننا أن نسقط بها شجرة التطور ككل ؟

وفضلا عن كل تلك الاختلافات التي صرخت بها الدراسات فإنه من المعروف أن جينوم الشمبانزى يزداد في الحجم عن جينوم البشر بنسبه تتجاوز 12% وهذا يشكل أيضا فرقا جوهريا للتباين. ولكن الدعاية الإعلامية التي اعتبرت التطور إيديولوجية إلحادية يدافع عنها باستماتة وبأكبر تدليس انتقائي تم ممارسته في تاريخ العلم ظلت تضلل العامة بتلك الأبحاث المتحيزة والتي اثبت عدم صلاحيتها وعدم أمانتها فوجدنا التطوريون يدللون على الأصل المشترك بأدلة لا يجب أن يقول بها عالم للوراثة مثل الكروموسوم الثاني الملتحم في الإنسان كدلالة على أصل مشترك. 

حيث أنه بذلك يوائم الزوج الناقص عنه في الرئيسيات والقردة الأخرى حيث يقل عنها بزوج من الكروموسومات فعددها بالإنسان 46 بينما بالقردة 48 كرموسوم. ولكن التدليل بعدد الكروموسومات على التطور هو بالأساس أكثر الحجج التي تقوض وتعترض افتراض شجرة القرابة والنسب الجيني لأن عدد الكروموسومات هو أول عائق أمام شجرة التطور المزعومة حيث أنه من المعروف أن أعداد الكروموسومات تتباين داخل جنس واحد حيث وجدت، أنها بالكلبيات تتراوح بتباين هائل حيث يتراوح عدد الكرموسومات داخل فصيلة الثعالب بين 38-78 كروموسوم بين أنواع مختلفة من الثعالب رغم انف علاقة القرابة التطورية المزعومة. 

بالإضافة إلي وجود تلك التباينات بكثرة داخل الفصائل المختلفة الشديدة القرابة كالفئران وغيرها من الأمثلة كثيرا. وقد أثبتت الدراسات أيضا عدم صحة ذلك الادعاء فهذا الدكتور "جيري بيرجمان"، وهو أستاذ في كلية ولاية نورث ويست في ولاية أوهايو، أنجز وفريق عمله مؤخرا أبحاثاً على تسلسل الحمض النووي التي تؤكد بجدية على التشكيك في صلاحية نموذج الانصهار وعدم 
حدوثه من الأساس(6). 

وهناك دراسة مذهلة من جامعة أكسفورد تقول أن 23٪ من الجينوم لدينا يتناقض مع المعيار بين الإنسان والقرد(7). 

السلف المزعوم: 

حتى يتحول الإنسان من السلف المزعوم إلى صورته الحالية يتوجب على الداروينية إعطاء تفسير مقنع لنشوء عدة أنظمة بيولوجية تميز الإنسان عن الرئيسيات العليا الأخرى على سبيل المثال لا الحصر: 

1. المشي على قدمين منتصبا بالترافق مع التعديل في تركيب الحوض و المخيخ. 
2. استطالة الساق وقصر الذراعان مع يد أكثر حذقًا بكثير، مع بصمات أصابع تمتلك حاسة لمس جيدة للغاية.
3. تعديل في البلعوم ينتج عنه السماح بالنطق، والتعديل في النظام العصبي المركزي خاصة في منطقة الفص الصدغي والتي تسمح بالتمييز المحدد للحديث.
4. تغير في الجهاز العضلي. 
5. زوال الشعر. 
6. المساحة بين العينين قريبة بما فيه الكفاية لإدراك المسافات والرؤية المجسمة.وتقدم شبكية العين وتقدم رؤية الألوان المختلفة .
7. الذكاء والقدرة العقلية الفائقة والفريدة. 

ووفقا لما نشرته "مجلة العلوم Science Magazine"، فإن الاختلافات الجينية بين الإنسان والشمبانزى هي 35 مليون زوج من قواعد الحمض النووي على أقل تقدير(8). 

كم من الوقت يلزم لإحداث هذا التغيير ؟

في ورقة علمية نشرتها "المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية National Center for Biotechnology Information" (NCBI)، للعالمين (Rick Durrett and Deena Schmidt)، التي تم نشرها في 2008 بمجلة "علم الوراثة Genetics"، بغرض التوصل إلى استنتاجات نظرية حول المعدل الزمني المطلوب لتثبيت الطفرات داخل المجموع السكاني لنوع من الإحياء عن طريق العمليات الحسابية ونماذج المحاكاة الحاسوبية(9). 

وجدوا أن الفترة الزمنية اللازمة لتثبيت طفرة واحدة فقط في أسلاف الرئيسيات هي ستة ملايين سنة. وأن الحصول على أثنين فقط من الطفرات وتثبيتها عبر التطور الدارويني للبشر هو 100 مليون سنة. 

ما الذي يعنيه هذا ؟

مما سبق يتضح أمر غاية في الوضوح بخصوص فاعلية معدل الطفرة في التطور البشرى المزعوم وفشل الداروينية في توفير الدعم النظري بعد فشل الدعم التجريبي لإثبات قصة السلف المشترك. 

بعبارة أخرى، إذا كان تاريخ الانفصال التطوري الذي حدث بين الإنسان والشمبانزى من السلف المشترك قد حدث ما بين خمس لسبع ملايين سنة مضت وهذه الفترة التي من المفترض أن يختلف فيها الإنسان عن الشمبانزى بما مقداره 35 مليون زوج من قواعد الحمض النووي عن طريق الطفرات هي بالكاد كافية لحدوث وتثبيت طفرة واحدة فقط. 

فماذا لو علمنا أن تقديرات الوقت المتاح للحصول على اثنين من الطفرات اللازمة في طريق تطور البشر بحسب – البحث الذي أشرنا إليه – هي 216 مليون سنة، وهى طويلة بشكل غير واقعي، وهذا يعنى أن الوقت الذي من المفترض أن تتطور فيه كل الثدييات على كوكبنا من ثدي بدائي عاش في هذا الوقت يتحصل فيه نموذج الوراثة السكانية على طفرتين فقط. 

وماذا عن كافة الاختلافات بين البشر والشمبانزي والتي رصدنا بعضها في مستهل كلامنا، كم من الطفرات يلزم للحصول عليها، اثنين ؟! عشرات ؟! مئات ؟! ملايين ؟!



تخيلوا كم من الوقت يلزم لذلك ؟... 

------------------------------------------------------------
  (1)    أنظر إلى المقال العلمي المنشور في مجلة (nature) بعنوان:
-          Chimpanzee and human Y chromosomes are remarkably divergent in structure and gene content, Vol 463, 536-539 (28 January 2010).

(2)    Comparing the human and chimpanzee genomes: Searching for needles in a haystack, By: Ajit Varki and Tasha K. Altheide, Published: Genome Research, 2005, Vol: (15) 1746-1758.

  (3)    أنظر إلى المقالات العلمية التالية:
-        Global analysis of alternative splicing differences between humans and chimpanzees, Published:"National Center for Biotechnology Information" (Genes & Development) (15 November 2007), Vol 21(22): 2963–2975.
-     Genome-Wide DNA Alignment Similarity (Identity) for 40,000 Chimpanzee DNA Sequences Queried against the Human Genome is 86–89%, By: Jeffrey P. Tomkins, Published:"Answers Research Journal", Vol:4, (28 December 2011).

(4)    Henry Gee, In Search of Deep Time: Beyond the Fossil Record to a New History of Life, New York, The Free Press, 1999, p.116-117.

(5)    the mouse genome, introduction: Human biology by proxy, BY: Chris Gunter & Ritu Dhand, Published: Nature 420, 509 (5 December 2002). 

(6)    -  The chromosome 2 fusion model of human evolution—part 1: re-evaluating the evidence, by Jeffrey Tomkins and Jerry Bergman, Published: Journal of Creation, Volume 25, Issue 2: 106–110, (August 2011).
-          The chromosome 2 fusion model of human evolution—part 2: re-analysis of the genomic data, by Jeffrey Tomkins and Jerry Bergman, Published: Journal of Creation, Volume 25, Issue 2: 111–117, (August 2011).

(7)    Mapping Human Genetic Ancestry, Oxford Journals: Molecular Biology and Evolution, Published: Volume 24, Issue 10, Pp. 2266-2276, (28 July 2007). 

(8)    Relative Differences: The Myth of 1%, By: Jon Cohen, Published: Vol. 316, Issue 5833, pp. 1836, (29 Jun 2007).

(9)    -  Waiting for Two Mutations: With Applications to Regulatory Sequence Evolution and the Limits of Darwinian Evolution, By: Rick Durrett and Deena Schmidt , Published: vol. 180 no. 3, 1501-1509, (1 November 2008).
-          Waiting Longer for Two Mutations, By: Michael J. Behe, Published: vol. 181 no. 2, 819-820, (1 February 2009).






Friday, October 28, 2016

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الأول

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الأول

بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker

مقدمة

خلال 4 سنوات من البحث المستمر عندما سمعت لأول مرة عن نظرية التطور وكيف أنها أشتهر عنها مقولة "أن الإنسان أصله قرد" فكانت تنفر عنها الناس قبل يتعلموا ما هي بالضبط. فأخذت عهد على نفسي أن أدرسها جيداً قبل الحكم والكلام فيها لذلك أخذت من عمري 4 سنوات من الدراسة المستمرة وما زلت أعرف عنها الكثير إلى الآن.

وبحكم أنني باحث في الدراسات القرآنية قررت أيضاً أن أدرس النصوص التي تكلمت عن آدم جيداً لأرى أن كانت نظرية التطور مثبتة علمياً، فكيف يمكن حينها أن أرى تدبر جيداً يتوافق فيه القرآن مع العلم الحديث ؟ فأخذت بالدراسة والبحث المستمر بجانب العلم للبحث في الدراسات القرآنية عن ما كتب في هذا التوفيق بين هذه النظرية والنص القرآني.

ففي النهاية وجدت نفسي أجمع مادة دسمة وكبيرة جداً من المعلومات والمعرفة في هذا الموضوع لذلك قررت أن أكتب كتاب يجمع هذه الأفكار لعلها تؤثر في الناس ويتعلم منها أحداً. فقررت التبسيط دون الخلل من المادة المطروحة.

فوجدت نفسي أمام كتاب أكتبه بيدي بعنوان: "نشأة الحياة" تحت سلسلة متكاملة عن التاريخ بعنوان "قصة الخلق والعمران". وما أطرحه الآن هي ورقة علمية وهي قطرة صغيرة من فيض معلوماتي ضخم من الكتاب قررت أن أنشره لكم قبل نشر الكتاب حول موضوع بعنوان: "هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟!".


أتمنى أن تفيدكم هذه المعلومات وفي انتظار نقدكم لما كتبته فبهذا النقد أستفيد أكثر وأتطور من مادتي المعرفية لأعرضها لكم مجدداً وباستمرار.

تطور الإنسان من القردة العليا !

كما شرحنا من قبل وقولنا أن الداروينية الحديثة تعتمد في مفهوم التطور على عامل يسمى "السلف المشترك" أن جميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان تطور من سلف مشترك قديم أولي وهي الخلية الحية الأولى البدائية. ثم ترقى سلم التطور حتى وصل إلى أخر هذه الكائنات وهو "الإنسان العاقل الحديث"، بذلك؛ يكون الإنسان قد تطور من سلف مشترك بينه وبين القردة وهو ما يسمى بـ "القردة العليا". وهذا يعني أننا والقردة أولاد عمومة واحدة !

فكيف تكون هذه الفرضية صحيحة ؟

يدعي البعض من العلماء أن جينات القرد والإنسان تتشارك بنسبة عالية جداً مما يدل ذلك على صحة الفرضية التي يذهبون إليها بأن الإنسان قد تطور من سلف شبيه بالقرود !..
لذا فهو يشترك في الكثير من الصفات والمزايا مع القرود المعاصرة، وقد ذهب بعض التطوريين لأبعد من ذلك؛ حيث ادعوا أن قدرات الإنسان ليست إلا قدرات متطورة كانت موجودة في سلفه التطوري.

يقول داروين في كتابه (أصل الإنسان): "إن اختلاف الدماغ بين الإنسان والحيوانات العليا كبير، ولكنه كبير من جهة الكم لا النوع؛ فقد رأينا أن الأحاسيس والحدس وجميع المشاعر والقدرات كالحب والذاكرة والانتباه وحب الاستطلاع والمحاكاة والدراية.. إلخ، كلها – والتي يفخر الإنسان بها – موجودة لدى كائن بدائي من الحيوانات العليا أو في بعض الأحيان لدى كائن متطور من الحيوانات الدنيا"(1).


يدعي بعض التطوريين من ناحية أخرى أن الإنسان يملك قدرات جديدة كليا ولا يمكن تفسيرها تبعاً لقدرات الأسلاف التطوريين.

يعرف هؤلاء بأصحاب "نظرية الظهور المفاجئ Emergentists"، ومنهم العالم "هارولد مورويتز Harold Morowitz"(2)(3)يقر هؤلاء العلماء أنه على الرغم من التشابهات المهمة بين الإنسان والقردة إلا أنها تشابهات بعيدة، وخصوصاً فيما يتعلق بالقدرات العقلية والروحية، فيعتبرون أن القدرات المتطرفة، كتلك التي كانت لـ "ويليام جيمس سيديس William James Sidis"(4)، تشير إلى أن الفروق بين الإنسان والقرود جذرية، وتعتبر فروقاً نوعية وليست فروقاً كمية فقط كما ادعى داروين(5).


كيف أصبحنا بشراً ؟

لازال عوام الملحدين الذين اتخذوا التطور كايدولوجيا لنكران الخلق وبالتالي نكران الإله يتشدقون بنسبة التشابه بين الإنسان والشمبانزي معتبرين ذلك دليلا على أصل مشترك. وساعدت دعاية متحيزة كُلياً لنشر تلك الأفكار وتجاهل حقيقة الأبحاث الحديثة والحقيقية التي أثبتت عكس ذلك الادعاء. فهل فعلاً الادعاء بتشابهه الشمبانزي والإنسان يتجاوز 98% كما يدعى هؤلاء صحيح علميا ؟


في مقال علمي وجدته في مجلة (Scientific American)(6) الداروينية الشهيرة في عدد ديسمبر 2009م، قامت الدكتورة (كاثرين پولارد Katherine S. Pollard)(7) بنشر مقال علمي بعنوان (What Makes Us Human?). وقد تُرجم المقال إلى اللغة العربية في "مجلة العلوم الكويتية" تحت عنوان (ما الذي يَجْعَلُنَا بَشَرًا؟) في عدد ديسمبر 2009.

تجربة مسح الجينوم: 

للعثور على تلك الأجزاء من جينومنا التي جعلتنا بشرا، قامت الباحثة كاتبة المقال بدراسة متوالية (DNA) في أحد الجينات ويُطلق عليه (HAR1) وقامت بدراسة هذا الجين في كل من الإنسان والشمبانزي والدجاج واكتشفت أن المتوالية للـ (DNA) بين الشمبانزي والدجاج تختلف في قاعدتين فقط من أصل 118 قاعدة بينما يصل الاختلاف بين الإنسان والشمبانزي إلى 18 قاعدة، مما يشير إلى أنّ الجين (HAR1) قد اكتسبت وظيفة جديدة مهمة في البشر. وهذا يُشكك في دلالة (DNA) وقدرته على التمييز بين الكائنات الحية المختلفة وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد متواليات لقواعد نيتروجينية وليس معنى أن مقاس حذاء الإنسان أقرب لمقاس حذاء التمساح من مقاس حذاء الفيل أننا والتماسيح من أصل واحد فهذه سطحية في البحث ودجل بإسم العلم. 

(شكل:1): تغيرات المتوالية البشرية مقارنة بالتغيرات في متوالية الشمبانزيات والدجاج.  

وللحديث بقية في المقال القادم...
---------------------------------------------------------------------------

(1)    Charles Darwin, “The Descent of Man and Selection in Relation to Sex”, 2nd ed (London: John Murray, 1882), p 126 .

(2)    ولد 4 ديسمبر 1927م، في بوغكيبسي، نيويورك. وتوفي 22 مارس 2016م. حصل على شهادة البكالوريوس في الفيزياء والفلسفة في عام 1947، وماجستير في الجراحة في الفيزياء في عام 1950، وعلى درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية في عام 1951، كل من جامعة ييل. كان أستاذ في قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والكيمياء الحيوية في جامعة ييل 1955-1987. درس تطبيق الديناميكا الحرارية إلى المنظومات الحية. مؤلف العديد من الكتب والمقالات، ويشمل عمله الدراسات التقنية فضلا عن مقالات. وكان موضوع أصل الحياة اهتمامه من الأبحاث الأولية لأكثر من خمسين عاما.

(3)    Harold J. Morowitz, “The Emergence of Everything: How the World Became Complex”, (Oxford: Oxford University Press, 2002), chs 28-32.

(4)    ربما كان "ويليام جيمس" (1898م – 1944م)، أذكى إنسان عاش في هذا العالم، إذ يتراوح معدل ذكائه حسب مقياس IQ بين (250 – 300)، استطاع قراءة صحيفة نيويورك تايمز بعمر 18 شهراً، وتعلم اللاتينية بنفسه في سن السنتين، ثم تعلم اليونانية في الثالثة من عمره، واستطاع طباعة الأحرف بكل من الإنجليزية والفرنسية في الرابعة من عمره، قدم بحثاً في التشريح وهو في سن الخامسة، وأذهل الناس بقدراته الرياضية، تخرج من مدرسة بروكلين الثانوية بـ (ماساشوستس) وهو في الثامنة، وكان على وشك الالتحاق بجامعة هارفارد، لولا أن هيئة القبول فيها قررت تأجيل ذلك لعدة سنوات ريثما يتم نضجه الاجتماعي، استجاب ويليام للقرار ودخل الجامعة في سن الحادية عشر، ونال الشهادة الجامعية بمرتبة الشرف في السادسة عشر ليصبح فيما بعد أصغر بروفيسور في التاريخ. استنتج ويليام احتمالية وجود الثقوب السوداء قبل أن يتنبأ بذلك عالم الفضاء " شاندراسيخار Subrahmanyan Chandrasekhar"، وعندما بلغ كان يتكلم بأكثر من أربعين لغة ولهجة محلية.

(5)    Mortimer Adler, “The Difference of Man and the Difference It Makes” New York: Fordham University Press, 1993. 

  (5)    هي مجلة أدبيات علمية أمريكية صدرت طبعتها الأولى في 28 أغسطس 1845، وبهذا تكون من أقدم المجلات المنشورة في الولايات المتحدة. تنشر المجلة شهريا الجديد في أخبار الأبحاث العلمية ولكنها ليست دورية علمية موجهة للمتخصصين الأكاديميين كما هو الحال في دورية (Nature) مثلا، وإنما للعامة والقراء العاديين. وتصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الترجمة العربية للمجلة بعنوان مجلة العلوم.

  (6)    باحثة في الإحصاء الحيوي بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. وفي عام 2003، بعد حصولها على الدكتوراه وإجراء أبحاث بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا ببيركلي، بدأت "كاثرين" زمالة في الجينوميات المقارنة في جامعة سانتا كروز، وشاركت خلالها في سَلْسَلة جينوم الشمبانزيات. استخدمت "كاثرين" هذه المتوالية لتحديد النواحي الأسرع تطورا في الجينوم البشري. وفي عام 2008 حصلت على زمالة سلون Sloan البحثية في البيولوجيا الجزيئية الحسابية والتطوّرية، ومؤخرا شرعت في دراسة تطور الميكروبات التي تعيش في جسم الإنسان.




Friday, October 21, 2016

الصدمة الحضارية: بين نابليون وصحيح البخاري

الصدمة الحضارية: بين نابليون وصحيح البخاري
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker



• عظمة العالم الإسلامي ما قبل الصدمة الحضارية 
----------------------------------------------------
كتبت المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه كتاب بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة" (1) وتصف في هذا الكتاب كما واضح من عنوانه عظمة الحضارة الإسلامية العربية وكيف تأثر الغرب من هذه الحضارة وكيف كنا ..

وفي الباب الرابع من هذا الكتاب تصف المؤلفة كيف كان الغرب "الفرنجة" في وقت الحروب الصليبية يعالجون مرضاهم من الأمراض فتأتي بقصة نقلتها من مذكرات "أسامة بن المنقذ" (2) وكيف رأى علاجهم للمرضى فتنقل في كتابها هذا الكلام: 
" ومن عجيب طبهم أن صاحب المنيطرة (3) كتب إلى عمي يطلب منه إنفاذ طبيب يداوي مرض من أصحابه. فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى ! قال: أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجله دمَّـلةُ ، وامرأة قد لحقها نِشاف. فعملتُ للفارس لـُبَيْخَة ففتحت الدملة وصلحت. وحميتُ المرأة ورطبت مزاجها. فجاءَهم طبيب إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئاً يداويهم؛ وقال للفارس: أيـُّهما أحبّ إليك، تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين ؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: احضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعة، فحضر الفارس والفأس، وأنا حاضر، فحطّ قدمه على قرمة خشب وقال للفارس: أُضرب رجله بالفأس ضربة واحدة؛ اقطعها. فضربه، وأنا أراه، ضربة واحدة ما انقطعت. ضَربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات الرجل من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها. فحلقوه. وعات تأكل من مآكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النشاف، فقال: الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشقّ رأسها صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليَّ حاجة ؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبَّهم ما لم أكن أعرفه " (4) . 

هكذا كان حالهم وتخلفهم الحضاري في هذا الوقت وسنرى ماذا حدث بعد ذلك لنا ولهم عبر العصور .. 

• لحظات الصدمة الحضارية 
-----------------------------
أثناء الحروب الصليبية احتكت أوروبا المتخلفة بالحضارة الإسلامية التي كانت تحكم العالم، فحدثت صدمة حضارية لدى أوروبا صدمة ساهمت في النهضة الأوروبية الحديثة ودار الزمان دورته وتغيرت الموازيين وقادت أوروبا الحضارة الإنسانية في غفلة من المسلمين الذين أغلقوا عقولهم وصرفوا همتهم لشرح المختصرات واختصار المطولات، في ظل أزمات سياسية وحضارية متوالية حتى صحي المسلمون على أصوات مدافع نابليون بونابارت وهي تدك أبواب مصر وهنا حدثت الصدمة الحضارية المعاكسة ووجد المسلمون أنفسهم أمام فجوة حضارية عميقة بينهم وبين أوروبا وكانت النتيجة سقوط العالم العربي والإسلامي تحت وطئت الاستعمار الحديث .. 

ولحظات دخول نابليون إلى مصر كان يعتقد الأمراء حينها أنهم أقوياء قادرين على هزم إي جيش وفي خيالهم الحروب الصليبية القديمة التي هزمنها فيها الفرنجة، وكانوا يقولون "أنه إذا جاءت جميع الإفرنج لا يقفون في مقابلتهم، وأنهم يدوسونهم بخيولهم (5)".. 

يحكي لنا المؤرخ المصري "الجبرتي"(6) في تاريخه عن لحظات دخول نابليون إلى مصر ويقول: 
" ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بيك، ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية، وحضر عدة وافرة من عساكر الأرنود من دمياط، وطلعوا إلى إنبابة وانضموا إلى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس، فلما عاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية وأخلاط الناس بالصياح ورفع الأصوات بقولهم: (يارب ويا لطيف ويا رجال الله )، ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم، فكان العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك، ويقولون لهم: ( إن الرسول والصحابة والمجاهدين، إنما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب، لا برفع الأصوات والصراخ والنباح، فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ) (7) " . 

هكذا يصف الجبرتي حال العامة من الناس وكيف كان حالهم في هذه الحرب ! ... 

وفي موضع أخر من كتاب عجائب الآثار يحكي لنا الجبرتي: 
" وفي يوم الأحد غرة شهر صفر(8)، وردت الأخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم(9)، التقى العسكر المصري مع الفرنسيس، فلم تكن إلا ساعة وانهزم مراد بك ومن معه، ولم يقع قتال صحيح، وإنما هي مناوشة من طلائع العسكرين، بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية، واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردلى، وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان علقت نار بالقلع وسقط منها نار إلى البارود فاشتعلت جميعها بالنار، واحترقت المركب بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء، فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزم وترك الأثقال والمدافع وتبعته عساكره، ونزلت المشاة في المراكب، ورجعوا طالبين مصر، ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر، فاشتد انزعاج الناس وركب إبراهيم بك إلى ساحل بولاق، وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس، وأعملوا رأيهم في هذا الحادث العظيم، فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق إلى شبرا ويتولى الإقامة ببولاق إبراهيم بك وكشافه ومماليكه، وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرءون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ فقراء(10) الأحمدية(11) والرفاعية(12) والبراهمة(13) والقادرية(14) والسعدية(15) وغيرهم من الطوائف وأرباب الأشاير(16)، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب، ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الأسماء"(17). 
هكذا كان حال الناس والشيوخ في مواجهة العدو بقراءة البخاري ! 

من هذه النصوص في كتب التاريخ تعرف ما الذي أصاب الأمة من ضعف ووهن ليس كما كانت في الأول كما قولنا من مذكرات ابن المنقذ فهناك تحول وفارق بين الحالتين تغير الخطاب بين الناس مما وكانت هذه مقدمات إلى معرفة أننا بحاجة إلى الإصلاحات وكان منها الإصلاح الديني الذي كانت تمثله حينها مؤسسة الأزهر . 

********************************************
(1) د. زيغريد هونكه، شمس العرب تشرق على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة، الطبعة التاسعة ( الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، دار الأفاق الجديدة ) عام 1991 م . 
(2) أسامة بن المنقذ: ( 1095 – 1188 ) ولد في شيزر ( شمالي حماة ) وتوفى في دمشق. من فرسان العرب. اتصل بالفرنج الصليبيين فخاصمهم حيناً وصادقهم حيناً. أديب ومؤرخ. من مؤلفاته: "كتاب الاعتبار" "البديع في البديع" وهي رسالة في الشعر. "كتاب العصا" "كتاب المنازل والديار" . 
(3) قرب افقه عند منبع نهر إبراهيم في شمالي لبنان . 
(4) راجع كتاب الاعتبار لأسامة بن المنقذ تحقيق الدكتور فيليب حتى، ( مكتبة الثقافة الدينية )، ص 132، 133 
(5) عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ( مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1998 م ) ج3 ، ص 2 . 
(6) هو عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي ( ولد في القاهرة عام 1756م – وتوفى في القاهرة عام 1825م ). و هو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" والمعروف اختصاراً بـ"تاريخ الجبرتي" والذي يعد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة الهامة من الحملة الفرنسية. قدم أبو جده من قرية جبرت - والّتي تقع الآن في أرتيريا - إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، واستقر بها. 
(7) نفس المصدر، ج3 ، ص 10، 11 . 
(8) 1 صفر 1213 هـ / 15 يوليه 1798 م . 
(9) 29 محرم 1213 هـ / 13 يونيه 1798 م . 
(10) فقراء: مصطلح صوفي، عادة ما يطلق على الصوفية، والمقصود به هنا هذا المعنى . 
(11) الأحمدية: طريقة صوفيه نسبة إلى السيد أحمد البدوي . 
(12) الرفاعية: طريقة صوفيه نسبة إلى السيد أحمد الرفاعي . 
(13) البراهمة: طريقة صوفيه كانت قائمة في مصر في العصر العثماني . 
(14) القادرية: نسبة إلى عبد القادر الجيلاني . 
(15) السعدية: طريقة صوفية كانت قائمة أنذاك . 
(16) أرباب الأشاير: مصطلح كان يطلق على رجال الطرق الصوفية . 
(17)  عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ( مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1998 م ) ج3 ، ص 6 ، 7 .