Friday, October 21, 2016

الصدمة الحضارية: بين نابليون وصحيح البخاري

الصدمة الحضارية: بين نابليون وصحيح البخاري
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker



• عظمة العالم الإسلامي ما قبل الصدمة الحضارية 
----------------------------------------------------
كتبت المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه كتاب بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة" (1) وتصف في هذا الكتاب كما واضح من عنوانه عظمة الحضارة الإسلامية العربية وكيف تأثر الغرب من هذه الحضارة وكيف كنا ..

وفي الباب الرابع من هذا الكتاب تصف المؤلفة كيف كان الغرب "الفرنجة" في وقت الحروب الصليبية يعالجون مرضاهم من الأمراض فتأتي بقصة نقلتها من مذكرات "أسامة بن المنقذ" (2) وكيف رأى علاجهم للمرضى فتنقل في كتابها هذا الكلام: 
" ومن عجيب طبهم أن صاحب المنيطرة (3) كتب إلى عمي يطلب منه إنفاذ طبيب يداوي مرض من أصحابه. فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى ! قال: أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجله دمَّـلةُ ، وامرأة قد لحقها نِشاف. فعملتُ للفارس لـُبَيْخَة ففتحت الدملة وصلحت. وحميتُ المرأة ورطبت مزاجها. فجاءَهم طبيب إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئاً يداويهم؛ وقال للفارس: أيـُّهما أحبّ إليك، تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين ؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: احضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعة، فحضر الفارس والفأس، وأنا حاضر، فحطّ قدمه على قرمة خشب وقال للفارس: أُضرب رجله بالفأس ضربة واحدة؛ اقطعها. فضربه، وأنا أراه، ضربة واحدة ما انقطعت. ضَربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات الرجل من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها. فحلقوه. وعات تأكل من مآكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النشاف، فقال: الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشقّ رأسها صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليَّ حاجة ؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبَّهم ما لم أكن أعرفه " (4) . 

هكذا كان حالهم وتخلفهم الحضاري في هذا الوقت وسنرى ماذا حدث بعد ذلك لنا ولهم عبر العصور .. 

• لحظات الصدمة الحضارية 
-----------------------------
أثناء الحروب الصليبية احتكت أوروبا المتخلفة بالحضارة الإسلامية التي كانت تحكم العالم، فحدثت صدمة حضارية لدى أوروبا صدمة ساهمت في النهضة الأوروبية الحديثة ودار الزمان دورته وتغيرت الموازيين وقادت أوروبا الحضارة الإنسانية في غفلة من المسلمين الذين أغلقوا عقولهم وصرفوا همتهم لشرح المختصرات واختصار المطولات، في ظل أزمات سياسية وحضارية متوالية حتى صحي المسلمون على أصوات مدافع نابليون بونابارت وهي تدك أبواب مصر وهنا حدثت الصدمة الحضارية المعاكسة ووجد المسلمون أنفسهم أمام فجوة حضارية عميقة بينهم وبين أوروبا وكانت النتيجة سقوط العالم العربي والإسلامي تحت وطئت الاستعمار الحديث .. 

ولحظات دخول نابليون إلى مصر كان يعتقد الأمراء حينها أنهم أقوياء قادرين على هزم إي جيش وفي خيالهم الحروب الصليبية القديمة التي هزمنها فيها الفرنجة، وكانوا يقولون "أنه إذا جاءت جميع الإفرنج لا يقفون في مقابلتهم، وأنهم يدوسونهم بخيولهم (5)".. 

يحكي لنا المؤرخ المصري "الجبرتي"(6) في تاريخه عن لحظات دخول نابليون إلى مصر ويقول: 
" ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بيك، ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية، وحضر عدة وافرة من عساكر الأرنود من دمياط، وطلعوا إلى إنبابة وانضموا إلى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس، فلما عاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية وأخلاط الناس بالصياح ورفع الأصوات بقولهم: (يارب ويا لطيف ويا رجال الله )، ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم، فكان العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك، ويقولون لهم: ( إن الرسول والصحابة والمجاهدين، إنما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب، لا برفع الأصوات والصراخ والنباح، فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ) (7) " . 

هكذا يصف الجبرتي حال العامة من الناس وكيف كان حالهم في هذه الحرب ! ... 

وفي موضع أخر من كتاب عجائب الآثار يحكي لنا الجبرتي: 
" وفي يوم الأحد غرة شهر صفر(8)، وردت الأخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم(9)، التقى العسكر المصري مع الفرنسيس، فلم تكن إلا ساعة وانهزم مراد بك ومن معه، ولم يقع قتال صحيح، وإنما هي مناوشة من طلائع العسكرين، بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية، واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردلى، وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان علقت نار بالقلع وسقط منها نار إلى البارود فاشتعلت جميعها بالنار، واحترقت المركب بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء، فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزم وترك الأثقال والمدافع وتبعته عساكره، ونزلت المشاة في المراكب، ورجعوا طالبين مصر، ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر، فاشتد انزعاج الناس وركب إبراهيم بك إلى ساحل بولاق، وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس، وأعملوا رأيهم في هذا الحادث العظيم، فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق إلى شبرا ويتولى الإقامة ببولاق إبراهيم بك وكشافه ومماليكه، وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرءون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ فقراء(10) الأحمدية(11) والرفاعية(12) والبراهمة(13) والقادرية(14) والسعدية(15) وغيرهم من الطوائف وأرباب الأشاير(16)، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب، ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الأسماء"(17). 
هكذا كان حال الناس والشيوخ في مواجهة العدو بقراءة البخاري ! 

من هذه النصوص في كتب التاريخ تعرف ما الذي أصاب الأمة من ضعف ووهن ليس كما كانت في الأول كما قولنا من مذكرات ابن المنقذ فهناك تحول وفارق بين الحالتين تغير الخطاب بين الناس مما وكانت هذه مقدمات إلى معرفة أننا بحاجة إلى الإصلاحات وكان منها الإصلاح الديني الذي كانت تمثله حينها مؤسسة الأزهر . 

********************************************
(1) د. زيغريد هونكه، شمس العرب تشرق على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة، الطبعة التاسعة ( الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، دار الأفاق الجديدة ) عام 1991 م . 
(2) أسامة بن المنقذ: ( 1095 – 1188 ) ولد في شيزر ( شمالي حماة ) وتوفى في دمشق. من فرسان العرب. اتصل بالفرنج الصليبيين فخاصمهم حيناً وصادقهم حيناً. أديب ومؤرخ. من مؤلفاته: "كتاب الاعتبار" "البديع في البديع" وهي رسالة في الشعر. "كتاب العصا" "كتاب المنازل والديار" . 
(3) قرب افقه عند منبع نهر إبراهيم في شمالي لبنان . 
(4) راجع كتاب الاعتبار لأسامة بن المنقذ تحقيق الدكتور فيليب حتى، ( مكتبة الثقافة الدينية )، ص 132، 133 
(5) عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ( مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1998 م ) ج3 ، ص 2 . 
(6) هو عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي ( ولد في القاهرة عام 1756م – وتوفى في القاهرة عام 1825م ). و هو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" والمعروف اختصاراً بـ"تاريخ الجبرتي" والذي يعد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة الهامة من الحملة الفرنسية. قدم أبو جده من قرية جبرت - والّتي تقع الآن في أرتيريا - إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، واستقر بها. 
(7) نفس المصدر، ج3 ، ص 10، 11 . 
(8) 1 صفر 1213 هـ / 15 يوليه 1798 م . 
(9) 29 محرم 1213 هـ / 13 يونيه 1798 م . 
(10) فقراء: مصطلح صوفي، عادة ما يطلق على الصوفية، والمقصود به هنا هذا المعنى . 
(11) الأحمدية: طريقة صوفيه نسبة إلى السيد أحمد البدوي . 
(12) الرفاعية: طريقة صوفيه نسبة إلى السيد أحمد الرفاعي . 
(13) البراهمة: طريقة صوفيه كانت قائمة في مصر في العصر العثماني . 
(14) القادرية: نسبة إلى عبد القادر الجيلاني . 
(15) السعدية: طريقة صوفية كانت قائمة أنذاك . 
(16) أرباب الأشاير: مصطلح كان يطلق على رجال الطرق الصوفية . 
(17)  عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ( مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1998 م ) ج3 ، ص 6 ، 7 .


No comments:

Post a Comment