وهـــم الــعــلـم*
بقلم: محمد خلاوى (باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)
للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker
* تم نشر هذه الأفكار في كتاب تحت عنوان: (The Science Delusion) في 1 يناير 2012 م. للدكتور: (روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake).
- من مواليد (28 يونيو 1942م) لديه جنسية البريطانية. دكتوراه في "الكيمياء الحيوية" من جامعة "كامبريدج".
وهم العلم: هو الاعتقاد بأن العلم تمكن فعلياً من فهم طبيعة الواقع. أي أنه نظرياً، لم يترك لنا سوا التفاصيل ليتم تدوينها.
هذا اعتقاد شائع جداً في مجتمعنا إنه أحد أنواع الاعتقادات التي يدين بها الناس الذين يقولون: "نحن لا نؤمن بالله، بل نؤمن بالعلم" إنه نظام عقائدي يتم التبشير به اليوم في كل أقطار الأرض. ولكن هناك صراع يحدث في قلب العلم، بين "العلم" كوسيلة بحث مبنية على الأسباب، والأدلة، والفرضيات، والبحث الجماعي. وبين "العلم" كنظام عقائدي، أو كتصور معين عن العالم. وللأسف أن العلم "كنظام عقائدي" يكبح ويقيد "البحث الحر" الذي يمثل دم الحياة في جسد التقدم العلمي. منذ أواخر القرن التاسع عشر، تم تطويع العلم "للفلسفة المادية"(1).
العلوم اليوم بالكامل مطوّعة لصالح النظرة المادية للعلم إنني أعتقد أنه كلما انخلعنا عن هذه النظرة المادية، كلما تم بعث العلوم من جديد.
جوهرياً، العقائد العشرة التي تمثل النظرة الافتراضية التي يُنظر بها للعالم عند معظم النخب العلمية حول العالم.هي:
العقيدة الأولى: الطبيعة ميكانيكية أو كالآلة.
الكون هو كآله، الحيوانات والنباتات هي كالآلات. نحن البشر كالآلات، بل – في الحقيقة – نحن فعلياً آلات نحن روبوتات (خرقاء) – كما يقول ريتشارد دوكنز – بعقول عبارة عن كمبيوترات مبرمجة جينياً.
العقيدة الثانية: المادة غير واعية.
كل الكون تَخَلَّق من مادة غير واعية وليس هنالك أي وعي في النجوم، في المجرات، في الكواكب، في الحيوانات، في النباتات، ولا حتى في أحدنا كذلك – لو صحت هذه النظرية – إذن، فالكثير من الفلسفات العقلية خلال المائة سنة الماضية، كانت تحاول أن تثبت أننا لا نملك – في الحقيقة – وعياً على الإطلاق. إذن، فالمادة غير واعية، وقوانين الطبيعة ثابتة.
العقيدة الثالثة: قوانين الطبيعة ثابتة.
هي الآن نفسها كما كانت خلال (الانفجار العظيم)(2)، وستكون هي نفسها للأبد. ليس فقط القوانين، وإنما حتى "ثوابت الطبيعة"(3) هي كذلك غير متغيرة، ولذلك تسمى "ثوابت".
العقيدة الرابعة: مجموع المادة والطاقة هو دائماً نفسه.
إنه لا يتغير أبداً في مجموعه الكميّ باستثناء لحظات (الانفجار العظيم) عندما ظهر كل شيء في الوجود، من لاشيء وفي لحظة واحدة.
العقيدة الخامسة: الطبيعة هي بلا غاية (عبثية).
ليس هنالك أي غايات من كل الطبيعة، والعملية التطورية ليس لها أي غاية أو اتجاه.
العقيدة السادسة: الوراثة البيولوجية(4) هي مادية.
كل شيء ورثته هو في جيناتك، أو في "التحولات الفوق جينية"(5) لجيناتك أو عبر "الوراثة السيتوبلازمية"(6)، كلها أمور مادية.
العقيدة السابعة: الذكريات هي مخزنة في دماغك بصفتها أثاراً مادية بطريقة ما.
كل ما تتذكره في دماغك، هو نهايات عصبية معدلة، بروتينات مُفسفرة(7) – والتي لا أحد يعلم كيف تعمل ! – ومع ذلك، فتقريباً كل من في المجتمع العلمي يؤمن بأن (الأفكار) لا بد أن يكون في الدماغ وحده.
العقيدة الثامنة: عقلك يوجد في داخل رأسك.
وعيك بكامله هو عبارة عن نشاط دماغك، ولا شيء غير ذلك.
العقيدة التاسعة: الظواهر النفسية، مثل: توارد الخواطر، هي أمور لا يمكن حدوثها.
وهي تتفرع من العقيدة الثامنة. أن نواياك وأفكارك، لا يمكن أن يكون لها أثر يتعدى المكان، لأنها تكمن في داخل عقلك، وعقلك هو فقط موجود داخل رأسك (أي الدماغ) لذلك، فكل الأدلة الموجودة على الظواهر النفسية، كـ "توارد الخواطر" هي وهمية. إن الناس يؤمنون بهذه الظواهر، لكنهم يؤمنون لأنهم إما لا يعرفون ما يكفي عن الإحصائيات، أو أن الصُّدَفْ قد خدعتهم، أو أنه مجرد آثار التفكير الحالم عليهم.
العقيدة العاشرة: الطب الميكانيكي (الذي يتعامل مع الجسد المادي) هو الطريقة الوحيدة الفعالة للعلاج.
وهذا هو السبب الذي يجعل الحكومات تدعم فقط بحوث "الطب الميكانيكي"(8) متجاهلةً "الطب البديل"(9)، وهذه الأنواع من الطب – في النظرة العلمية القائمة – من المستحيل أن تعالج فعلاً لأنها غير ميكانيكية. وإذا بدا أحياناً أن هذا النوع من العلاج قد أحدث أثراً بالفعل فإما لأن المريض قد شُفي أصلاً، أو لأنه مجرد تأثير "الدواء الوهمي"(10) لكن الطب الوحيد المؤثر فعلاً، هو الطب الميكانيكي.
هذه العقائد العشرة التي تكلمت عنها هي النظرة النمطية السائدة في المجتمع العلمي والتي يتمسك بها – تقريباً – كل الأفراد المتعلمين حول العالم إنها تُمثل الأساس للأنظمة التعليمية، والخدمات الصحية ومجالس البحوث الطبية، والحكومات إنها ببساطة النظرة السائدة للعالم عند الأفراد المتعلمين.
أن كل واحدة من هذه العقائد مثيرٌ للشك جداً جداً وعندما تتأمل أيّاً منها بدقة، فإنها تتهاوى.
------------------------------------------------------------------------------------
(1) المادية: هي فلسفة إلحادية تقول بأن المادة أزلية (ليس لها بداية ولا نهاية)، وأن كل شيء موجود هو من خلقها وحدها وتفسر كل الظواهر تفسيراً مادياً وترفض كل تفسير ميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة) مثل: الله – تعالى – والروح والنفس والعقل...الخ.
(2) لقد تحدثت عنها بالتفصيل في كتابي السابق "نشأة الكون"من هذه السلسلة. فهي أحد النظريات الفيزيائية التي تفسر نشأة الكون، وموجزها أن الكون كله قبل نشأته كان مضغوطاً في كتلة غازية صغيرة جداً عظيمة الوهج والكثافة والحرارة، ثم بدأ يتوسع طيلة الأربعة عشر بليون سنة إلى يومنا هذا.
(3) المقصود بها هي الحسابات الثابتة دائماً، مثل سرعة الضوء والصوت.
(4) هي الصفات الجسمية أو الطبيعية الموروثة من الأسلاف.
(5) (Epigenetic Modification) هي التغيرات التي طرأت على الجين ولكن عبر مؤثرات غير مرتبطة بالحمض النووي.
(6) (Cytoplasmic Lnheritance) هي أن كل ما يتعلق بالجينات يحدث داخل النواة، لكن الوراثة السيتوبلازمية هي عندما يحدث تمرير للجينات إلى الجنين من خلال عُضية أخرى غير النواة (نواه الحيوان المنوي أو البويضة) سواء عضية داخلية مثل الميتوكندريا، أو خارجية مثل الفايروسات.
(7) النظرة المادية تفسر الأفكار – بما فيها الذكريات – بأنها مجرد تفاعلات كيميائية فسفورية في الدماغ، وتقول أن الفضائل والرذائل والأخلاق ليست سوى اهتزازات عصبية وذلك لأنها تنكر العقل والنفس والروح، أي تنكر الأبعاد "الفوق – مادية" للإنسان.
(8) هو تعبير يُشير إلى أن التصور السائد عن الجسم البشري في المجتمع العلمي الطبي، أنه جسم مادي آلي ليس أكثر من ذلك.
(9) هو مثل طب الوخز بالإبر الصيني، الذي يعالج عن طريق مسارات الطاقة في الجسم.
(10) هو دواء يهدف إلى خدع المريض، إذ لا يحتوي إلا على عناصر خاملة غير فعالة، وفي أغلب الأحيان فإن المريض يتحسن فعلاً تحت أثر الوهم بأن العلاج المتناول له قدرة شفائية ويتدرج العلاج بالوهم حتى يصل لعمليات جراحية وهمية.
(روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake)
صورة الكتاب