Monday, October 31, 2016

وهــم الـعـلـم / عرض كتاب الدكتور: روبرت شيلدريك

وهـــم الــعــلـم*
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker


* تم نشر هذه الأفكار في كتاب تحت عنوان: (The Science Delusion) في 1 يناير 2012 م. للدكتور: (روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake).
من مواليد (28 يونيو 1942م) لديه جنسية البريطانية. دكتوراه في "الكيمياء الحيوية" من جامعة "كامبريدج". 

ما فعله في الكتاب هو أنه أخذ العقائد – أو الادعاءات – العشرة للعلم وحولها إلى أسئلة. ويقول إذا نظرنا إلى هذه العقائد بطريقة علمية، سنرى أنها لن تصمد بشكل مُرْضٍ !.. 

وهم العلم: هو الاعتقاد بأن العلم تمكن فعلياً من فهم طبيعة الواقع. أي أنه نظرياً، لم يترك لنا سوا التفاصيل ليتم تدوينها. 

هذا اعتقاد شائع جداً في مجتمعنا إنه أحد أنواع الاعتقادات التي يدين بها الناس الذين يقولون: "نحن لا نؤمن بالله، بل نؤمن بالعلم" إنه نظام عقائدي يتم التبشير به اليوم في كل أقطار الأرض. ولكن هناك صراع يحدث في قلب العلم، بين "العلم" كوسيلة بحث مبنية على الأسباب، والأدلة، والفرضيات، والبحث الجماعي. وبين "العلم" كنظام عقائدي، أو كتصور معين عن العالم. وللأسف أن العلم "كنظام عقائدي" يكبح ويقيد "البحث الحر" الذي يمثل دم الحياة في جسد التقدم العلمي. منذ أواخر القرن التاسع عشر، تم تطويع العلم "للفلسفة المادية"(1). 

العلوم اليوم بالكامل مطوّعة لصالح النظرة المادية للعلم إنني أعتقد أنه كلما انخلعنا عن هذه النظرة المادية، كلما تم بعث العلوم من جديد. 

جوهرياً، العقائد العشرة التي تمثل النظرة الافتراضية التي يُنظر بها للعالم عند معظم النخب العلمية حول العالم.هي: 

العقيدة الأولى: الطبيعة ميكانيكية أو كالآلة. 

الكون هو كآله، الحيوانات والنباتات هي كالآلات. نحن البشر كالآلات، بل – في الحقيقة – نحن فعلياً آلات نحن روبوتات (خرقاء) – كما يقول ريتشارد دوكنز – بعقول عبارة عن كمبيوترات مبرمجة جينياً.  

العقيدة الثانية: المادة غير واعية. 

كل الكون تَخَلَّق من مادة غير واعية وليس هنالك أي وعي في النجوم، في المجرات، في الكواكب، في الحيوانات، في النباتات، ولا حتى في أحدنا كذلك – لو صحت هذه النظرية – إذن، فالكثير من الفلسفات العقلية خلال المائة سنة الماضية، كانت تحاول أن تثبت أننا لا نملك – في الحقيقة – وعياً على الإطلاق. إذن، فالمادة غير واعية، وقوانين الطبيعة ثابتة. 

العقيدة الثالثة: قوانين الطبيعة ثابتة.

هي الآن نفسها كما كانت خلال (الانفجار العظيم)(2)، وستكون هي نفسها للأبد. ليس فقط القوانين، وإنما حتى "ثوابت الطبيعة"(3) هي كذلك غير متغيرة، ولذلك تسمى "ثوابت".  

العقيدة الرابعة: مجموع المادة والطاقة هو دائماً نفسه. 

إنه لا يتغير أبداً في مجموعه الكميّ باستثناء لحظات (الانفجار العظيم) عندما ظهر كل شيء في الوجود، من لاشيء وفي لحظة واحدة.  

العقيدة الخامسة: الطبيعة هي بلا غاية (عبثية). 

ليس هنالك أي غايات من كل الطبيعة، والعملية التطورية ليس لها أي غاية أو اتجاه.  

العقيدة السادسة: الوراثة البيولوجية(4) هي مادية.  

كل شيء ورثته هو في جيناتك، أو في "التحولات الفوق جينية"(5) لجيناتك أو عبر "الوراثة السيتوبلازمية"(6)، كلها أمور مادية.  

  العقيدة السابعة: الذكريات هي مخزنة في دماغك بصفتها أثاراً مادية بطريقة ما.  

كل ما تتذكره في دماغك، هو نهايات عصبية معدلة، بروتينات مُفسفرة(7) – والتي لا أحد يعلم كيف تعمل ! – ومع ذلك، فتقريباً كل من في المجتمع العلمي يؤمن بأن (الأفكار) لا بد أن يكون في الدماغ وحده.  

العقيدة الثامنة: عقلك يوجد في داخل رأسك.  

وعيك بكامله هو عبارة عن نشاط دماغك، ولا شيء غير ذلك.  

العقيدة التاسعة: الظواهر النفسية، مثل: توارد الخواطر، هي أمور لا يمكن حدوثها.  

وهي تتفرع من العقيدة الثامنة. أن نواياك وأفكارك، لا يمكن أن يكون لها أثر يتعدى المكان، لأنها تكمن في داخل عقلك، وعقلك هو فقط موجود داخل رأسك (أي الدماغ) لذلك، فكل الأدلة الموجودة على الظواهر النفسية، كـ "توارد الخواطر" هي وهمية.  إن الناس يؤمنون بهذه الظواهر، لكنهم يؤمنون لأنهم إما لا يعرفون ما يكفي عن الإحصائيات، أو أن الصُّدَفْ قد خدعتهم، أو أنه مجرد آثار التفكير الحالم عليهم.  

العقيدة العاشرة: الطب الميكانيكي (الذي يتعامل مع الجسد المادي) هو الطريقة الوحيدة الفعالة للعلاج.  

وهذا هو السبب الذي يجعل الحكومات تدعم فقط بحوث "الطب الميكانيكي"(8) متجاهلةً "الطب البديل"(9)، وهذه الأنواع من الطب – في النظرة العلمية القائمة – من المستحيل أن تعالج فعلاً لأنها غير ميكانيكية. وإذا بدا أحياناً أن هذا النوع من العلاج قد أحدث أثراً بالفعل فإما لأن المريض قد شُفي أصلاً، أو لأنه مجرد تأثير "الدواء الوهمي"(10) لكن الطب الوحيد المؤثر فعلاً، هو الطب الميكانيكي.      

  هذه العقائد العشرة التي تكلمت عنها هي النظرة النمطية السائدة في المجتمع العلمي والتي يتمسك بها – تقريباً – كل الأفراد المتعلمين حول العالم إنها تُمثل الأساس للأنظمة التعليمية، والخدمات الصحية ومجالس البحوث الطبية، والحكومات إنها ببساطة النظرة السائدة للعالم عند الأفراد المتعلمين.  

أن كل واحدة من هذه العقائد مثيرٌ للشك جداً جداً وعندما تتأمل أيّاً منها بدقة، فإنها تتهاوى.     

  ------------------------------------------------------------------------------------ 

(1) المادية: هي فلسفة إلحادية تقول بأن المادة أزلية (ليس لها بداية ولا نهاية)، وأن كل شيء موجود هو من خلقها وحدها وتفسر كل الظواهر تفسيراً مادياً وترفض كل تفسير ميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة) مثل: الله – تعالى – والروح والنفس والعقل...الخ.  

(2) لقد تحدثت عنها بالتفصيل في كتابي السابق "نشأة الكون"من هذه السلسلة. فهي أحد النظريات الفيزيائية التي تفسر نشأة الكون، وموجزها أن الكون كله قبل نشأته كان مضغوطاً في كتلة غازية صغيرة جداً عظيمة الوهج والكثافة والحرارة، ثم بدأ يتوسع طيلة الأربعة عشر بليون سنة إلى يومنا هذا.  

(3) المقصود بها هي الحسابات الثابتة دائماً، مثل سرعة الضوء والصوت.  

(4) هي الصفات الجسمية أو الطبيعية الموروثة من الأسلاف. 

 (5) (Epigenetic Modification) هي التغيرات التي طرأت على الجين ولكن عبر مؤثرات غير مرتبطة بالحمض النووي. 

 (6) (Cytoplasmic Lnheritance) هي أن كل ما يتعلق بالجينات يحدث داخل النواة، لكن الوراثة السيتوبلازمية هي عندما يحدث تمرير للجينات إلى الجنين من خلال عُضية أخرى غير النواة (نواه الحيوان المنوي أو البويضة) سواء عضية داخلية مثل الميتوكندريا، أو خارجية مثل الفايروسات. 

(7) النظرة المادية تفسر الأفكار – بما فيها الذكريات – بأنها مجرد تفاعلات كيميائية فسفورية في الدماغ، وتقول أن الفضائل والرذائل والأخلاق ليست سوى اهتزازات عصبية وذلك لأنها تنكر العقل والنفس والروح، أي تنكر الأبعاد "الفوق – مادية" للإنسان.

(8) هو تعبير يُشير إلى أن التصور السائد عن الجسم البشري في المجتمع العلمي الطبي، أنه جسم مادي آلي ليس أكثر من ذلك.

(9) هو مثل طب الوخز بالإبر الصيني، الذي يعالج عن طريق مسارات الطاقة في الجسم. 

  (10) هو دواء يهدف إلى خدع المريض، إذ لا يحتوي إلا على عناصر خاملة غير فعالة، وفي أغلب الأحيان فإن المريض يتحسن فعلاً تحت أثر الوهم بأن العلاج المتناول له قدرة شفائية ويتدرج العلاج بالوهم حتى يصل لعمليات جراحية وهمية.      

(روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake)


صورة الكتاب 

Saturday, October 29, 2016

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الثاني

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الثاني
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker

أستكمل معكم ما بدأته في المقال السابق
http://thinkermofaker.blogspot.com/2016/10/blog-post_11.html



الدنا المتميّز:

تقول "كاثرين پولارد": "تكشف المقارنات بين جينومي الإنسان والشمبانزي تلك الامتدادات النادرة من الدنا التي ننفرد بها وحدنا".


(شكل:2): أدت الجهود المبذولة لكشف الدنا المميّز للبشر إلى عدد من المتواليات المتميّزة في البشر مقارنة بالشمبانزيات. وفي هذا الشكل قائمة جزئية بهذه المتواليات مع بعض وظائفها.

النسبة تقل: 

كثيرا ما يتبجح الملاحدة و التطوريين بالتشابه بين كروموسوم الإنسان وكروموسوم الشمبانزي لإثبات نظرية التطور وبالأخص لنفي خلق الإنسان بالصورة التكريمية ولكن العلم كلما تقدم أكثر كلما كشف زيف هذه الادعاءات وأنها كانت مبنية على افتراضات لا أساس علمي لها وأخيرا تم اكتشاف أن الكروموسوم الذكري (Y) بين الإنسان والشمبانزي مختلف اختلافا كبيرا لا يمكن معه أن يكونا لأصل واحد(1). 

يقول التطوريين أننا نحن "البشر" نتشابه في جيناتنا مع الشمبانزي بنسبة 98 %. وقد أتت الدراسات الحديثة الموسعة على مناطق أكبر من الجينوم لتثبت عكس ذلك الادعاء. فقد وصفت مجلة (أبحاث الجينوم Genome Research) العلمية المحكّمة المرموقة أن مقارنة جينوم الإنسان بذلك الخاص بالشمبانزي هو يشبه البحث عن إبرة في أكوامٍ من القش(2). وتقرر المجلة أن نسبة تقارب الإنسان والشمبانزي ليست 98% كما يزعمون، بل هي 96%. ومؤخرًا النسبة تترواح بين 93% و95%.  

بل وأيضاً الدراسات الحديثة تقول أن نسبة التشابه تقل إلى ما يقارب 86 % كحد أقصى للتشابهه بين الإنسان والشمبانزى ولا زال الفرق يزداد توسعا كلما توغل العلماء في الدراسة المتأنية(3). 


كما أوضحت تلك الدراسات وجود مناطق لكتل كبيره من الجينوم متطابقة من حيث الإدراج والحذف بين الإنسان والغوريلا وغياب تلك العلاقة في الشمبانزى وهو من المفترض تطوريا انه أكثر قرابة من الغوريلا للإنسان بالإضافة إلى اكتشاف أكثر من 15 % من التماثل بين الإنسان والغوريلا واختلافهم بها عن الشمبانزى فيما يتعلق بقدرات السمع التي من المفترض تطوريا أن الإنسان تميز بها عن الشمبانزى بعد الانفصال فكيف يفسر التطوريون وجودها في الغوريلا وهى قريب أبعد ؟!  

فكيف تظهر بالغوريلا ثم تختفي بالشمبانزى ثم تظهر مره أخرى بالإنسان بنفس الطريقة ؟ 

يقول التطوري "هنري جي Henry Gee" المحرر العلمي في مجلة الطبيعة Nature الشهيرة عن مسألة وجود نسب بين الإنسان والحيوان بناءً على تراص القواعد النكليوتيدية عن أن الأمر لا يعدو مجرد حدوته فيقول: "وكل ما في الأمر أنها مجرد حكاية أو حدوته من أحاجي منتصف الليل المسلية التي قد تكون مُوَجِّهَةً أو مُرْشِدَةً للإنسان في كثيرٍ من الأحيان إلا أنها ومع ذلك لا تستند لأيّ أساسٍ علمي"(4).   

و التشابه الشديد مع الإنسان ليس أمرًا حصرياً بالشمبانزي ! لكن هم يريدون التركيز على ذلك لدعاوى أيديولوجية ومقدمات عقائدية معلومة. وإلا فنسبة التشابه بين الإنسان والفأر 99%!(5). 

إذن المفترض أن الفأر أقرب للإنسان من الشمبانزي ! هم يركزون على دعاوى ومقدمات لديهم ثم يُخضعون المعطى العلمي لمقدماتهم ويتجاهلون بقية المعطيات!

ألسنا لو اعتمدنا أحجية التشابه الجيني تلك، يمكننا أن نسقط بها شجرة التطور ككل ؟

وفضلا عن كل تلك الاختلافات التي صرخت بها الدراسات فإنه من المعروف أن جينوم الشمبانزى يزداد في الحجم عن جينوم البشر بنسبه تتجاوز 12% وهذا يشكل أيضا فرقا جوهريا للتباين. ولكن الدعاية الإعلامية التي اعتبرت التطور إيديولوجية إلحادية يدافع عنها باستماتة وبأكبر تدليس انتقائي تم ممارسته في تاريخ العلم ظلت تضلل العامة بتلك الأبحاث المتحيزة والتي اثبت عدم صلاحيتها وعدم أمانتها فوجدنا التطوريون يدللون على الأصل المشترك بأدلة لا يجب أن يقول بها عالم للوراثة مثل الكروموسوم الثاني الملتحم في الإنسان كدلالة على أصل مشترك. 

حيث أنه بذلك يوائم الزوج الناقص عنه في الرئيسيات والقردة الأخرى حيث يقل عنها بزوج من الكروموسومات فعددها بالإنسان 46 بينما بالقردة 48 كرموسوم. ولكن التدليل بعدد الكروموسومات على التطور هو بالأساس أكثر الحجج التي تقوض وتعترض افتراض شجرة القرابة والنسب الجيني لأن عدد الكروموسومات هو أول عائق أمام شجرة التطور المزعومة حيث أنه من المعروف أن أعداد الكروموسومات تتباين داخل جنس واحد حيث وجدت، أنها بالكلبيات تتراوح بتباين هائل حيث يتراوح عدد الكرموسومات داخل فصيلة الثعالب بين 38-78 كروموسوم بين أنواع مختلفة من الثعالب رغم انف علاقة القرابة التطورية المزعومة. 

بالإضافة إلي وجود تلك التباينات بكثرة داخل الفصائل المختلفة الشديدة القرابة كالفئران وغيرها من الأمثلة كثيرا. وقد أثبتت الدراسات أيضا عدم صحة ذلك الادعاء فهذا الدكتور "جيري بيرجمان"، وهو أستاذ في كلية ولاية نورث ويست في ولاية أوهايو، أنجز وفريق عمله مؤخرا أبحاثاً على تسلسل الحمض النووي التي تؤكد بجدية على التشكيك في صلاحية نموذج الانصهار وعدم 
حدوثه من الأساس(6). 

وهناك دراسة مذهلة من جامعة أكسفورد تقول أن 23٪ من الجينوم لدينا يتناقض مع المعيار بين الإنسان والقرد(7). 

السلف المزعوم: 

حتى يتحول الإنسان من السلف المزعوم إلى صورته الحالية يتوجب على الداروينية إعطاء تفسير مقنع لنشوء عدة أنظمة بيولوجية تميز الإنسان عن الرئيسيات العليا الأخرى على سبيل المثال لا الحصر: 

1. المشي على قدمين منتصبا بالترافق مع التعديل في تركيب الحوض و المخيخ. 
2. استطالة الساق وقصر الذراعان مع يد أكثر حذقًا بكثير، مع بصمات أصابع تمتلك حاسة لمس جيدة للغاية.
3. تعديل في البلعوم ينتج عنه السماح بالنطق، والتعديل في النظام العصبي المركزي خاصة في منطقة الفص الصدغي والتي تسمح بالتمييز المحدد للحديث.
4. تغير في الجهاز العضلي. 
5. زوال الشعر. 
6. المساحة بين العينين قريبة بما فيه الكفاية لإدراك المسافات والرؤية المجسمة.وتقدم شبكية العين وتقدم رؤية الألوان المختلفة .
7. الذكاء والقدرة العقلية الفائقة والفريدة. 

ووفقا لما نشرته "مجلة العلوم Science Magazine"، فإن الاختلافات الجينية بين الإنسان والشمبانزى هي 35 مليون زوج من قواعد الحمض النووي على أقل تقدير(8). 

كم من الوقت يلزم لإحداث هذا التغيير ؟

في ورقة علمية نشرتها "المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية National Center for Biotechnology Information" (NCBI)، للعالمين (Rick Durrett and Deena Schmidt)، التي تم نشرها في 2008 بمجلة "علم الوراثة Genetics"، بغرض التوصل إلى استنتاجات نظرية حول المعدل الزمني المطلوب لتثبيت الطفرات داخل المجموع السكاني لنوع من الإحياء عن طريق العمليات الحسابية ونماذج المحاكاة الحاسوبية(9). 

وجدوا أن الفترة الزمنية اللازمة لتثبيت طفرة واحدة فقط في أسلاف الرئيسيات هي ستة ملايين سنة. وأن الحصول على أثنين فقط من الطفرات وتثبيتها عبر التطور الدارويني للبشر هو 100 مليون سنة. 

ما الذي يعنيه هذا ؟

مما سبق يتضح أمر غاية في الوضوح بخصوص فاعلية معدل الطفرة في التطور البشرى المزعوم وفشل الداروينية في توفير الدعم النظري بعد فشل الدعم التجريبي لإثبات قصة السلف المشترك. 

بعبارة أخرى، إذا كان تاريخ الانفصال التطوري الذي حدث بين الإنسان والشمبانزى من السلف المشترك قد حدث ما بين خمس لسبع ملايين سنة مضت وهذه الفترة التي من المفترض أن يختلف فيها الإنسان عن الشمبانزى بما مقداره 35 مليون زوج من قواعد الحمض النووي عن طريق الطفرات هي بالكاد كافية لحدوث وتثبيت طفرة واحدة فقط. 

فماذا لو علمنا أن تقديرات الوقت المتاح للحصول على اثنين من الطفرات اللازمة في طريق تطور البشر بحسب – البحث الذي أشرنا إليه – هي 216 مليون سنة، وهى طويلة بشكل غير واقعي، وهذا يعنى أن الوقت الذي من المفترض أن تتطور فيه كل الثدييات على كوكبنا من ثدي بدائي عاش في هذا الوقت يتحصل فيه نموذج الوراثة السكانية على طفرتين فقط. 

وماذا عن كافة الاختلافات بين البشر والشمبانزي والتي رصدنا بعضها في مستهل كلامنا، كم من الطفرات يلزم للحصول عليها، اثنين ؟! عشرات ؟! مئات ؟! ملايين ؟!



تخيلوا كم من الوقت يلزم لذلك ؟... 

------------------------------------------------------------
  (1)    أنظر إلى المقال العلمي المنشور في مجلة (nature) بعنوان:
-          Chimpanzee and human Y chromosomes are remarkably divergent in structure and gene content, Vol 463, 536-539 (28 January 2010).

(2)    Comparing the human and chimpanzee genomes: Searching for needles in a haystack, By: Ajit Varki and Tasha K. Altheide, Published: Genome Research, 2005, Vol: (15) 1746-1758.

  (3)    أنظر إلى المقالات العلمية التالية:
-        Global analysis of alternative splicing differences between humans and chimpanzees, Published:"National Center for Biotechnology Information" (Genes & Development) (15 November 2007), Vol 21(22): 2963–2975.
-     Genome-Wide DNA Alignment Similarity (Identity) for 40,000 Chimpanzee DNA Sequences Queried against the Human Genome is 86–89%, By: Jeffrey P. Tomkins, Published:"Answers Research Journal", Vol:4, (28 December 2011).

(4)    Henry Gee, In Search of Deep Time: Beyond the Fossil Record to a New History of Life, New York, The Free Press, 1999, p.116-117.

(5)    the mouse genome, introduction: Human biology by proxy, BY: Chris Gunter & Ritu Dhand, Published: Nature 420, 509 (5 December 2002). 

(6)    -  The chromosome 2 fusion model of human evolution—part 1: re-evaluating the evidence, by Jeffrey Tomkins and Jerry Bergman, Published: Journal of Creation, Volume 25, Issue 2: 106–110, (August 2011).
-          The chromosome 2 fusion model of human evolution—part 2: re-analysis of the genomic data, by Jeffrey Tomkins and Jerry Bergman, Published: Journal of Creation, Volume 25, Issue 2: 111–117, (August 2011).

(7)    Mapping Human Genetic Ancestry, Oxford Journals: Molecular Biology and Evolution, Published: Volume 24, Issue 10, Pp. 2266-2276, (28 July 2007). 

(8)    Relative Differences: The Myth of 1%, By: Jon Cohen, Published: Vol. 316, Issue 5833, pp. 1836, (29 Jun 2007).

(9)    -  Waiting for Two Mutations: With Applications to Regulatory Sequence Evolution and the Limits of Darwinian Evolution, By: Rick Durrett and Deena Schmidt , Published: vol. 180 no. 3, 1501-1509, (1 November 2008).
-          Waiting Longer for Two Mutations, By: Michael J. Behe, Published: vol. 181 no. 2, 819-820, (1 February 2009).






Friday, October 28, 2016

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الأول

هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟ / الجزء الأول

بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker

مقدمة

خلال 4 سنوات من البحث المستمر عندما سمعت لأول مرة عن نظرية التطور وكيف أنها أشتهر عنها مقولة "أن الإنسان أصله قرد" فكانت تنفر عنها الناس قبل يتعلموا ما هي بالضبط. فأخذت عهد على نفسي أن أدرسها جيداً قبل الحكم والكلام فيها لذلك أخذت من عمري 4 سنوات من الدراسة المستمرة وما زلت أعرف عنها الكثير إلى الآن.

وبحكم أنني باحث في الدراسات القرآنية قررت أيضاً أن أدرس النصوص التي تكلمت عن آدم جيداً لأرى أن كانت نظرية التطور مثبتة علمياً، فكيف يمكن حينها أن أرى تدبر جيداً يتوافق فيه القرآن مع العلم الحديث ؟ فأخذت بالدراسة والبحث المستمر بجانب العلم للبحث في الدراسات القرآنية عن ما كتب في هذا التوفيق بين هذه النظرية والنص القرآني.

ففي النهاية وجدت نفسي أجمع مادة دسمة وكبيرة جداً من المعلومات والمعرفة في هذا الموضوع لذلك قررت أن أكتب كتاب يجمع هذه الأفكار لعلها تؤثر في الناس ويتعلم منها أحداً. فقررت التبسيط دون الخلل من المادة المطروحة.

فوجدت نفسي أمام كتاب أكتبه بيدي بعنوان: "نشأة الحياة" تحت سلسلة متكاملة عن التاريخ بعنوان "قصة الخلق والعمران". وما أطرحه الآن هي ورقة علمية وهي قطرة صغيرة من فيض معلوماتي ضخم من الكتاب قررت أن أنشره لكم قبل نشر الكتاب حول موضوع بعنوان: "هل تطور الإنسان من القردة العليا ؟!".


أتمنى أن تفيدكم هذه المعلومات وفي انتظار نقدكم لما كتبته فبهذا النقد أستفيد أكثر وأتطور من مادتي المعرفية لأعرضها لكم مجدداً وباستمرار.

تطور الإنسان من القردة العليا !

كما شرحنا من قبل وقولنا أن الداروينية الحديثة تعتمد في مفهوم التطور على عامل يسمى "السلف المشترك" أن جميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان تطور من سلف مشترك قديم أولي وهي الخلية الحية الأولى البدائية. ثم ترقى سلم التطور حتى وصل إلى أخر هذه الكائنات وهو "الإنسان العاقل الحديث"، بذلك؛ يكون الإنسان قد تطور من سلف مشترك بينه وبين القردة وهو ما يسمى بـ "القردة العليا". وهذا يعني أننا والقردة أولاد عمومة واحدة !

فكيف تكون هذه الفرضية صحيحة ؟

يدعي البعض من العلماء أن جينات القرد والإنسان تتشارك بنسبة عالية جداً مما يدل ذلك على صحة الفرضية التي يذهبون إليها بأن الإنسان قد تطور من سلف شبيه بالقرود !..
لذا فهو يشترك في الكثير من الصفات والمزايا مع القرود المعاصرة، وقد ذهب بعض التطوريين لأبعد من ذلك؛ حيث ادعوا أن قدرات الإنسان ليست إلا قدرات متطورة كانت موجودة في سلفه التطوري.

يقول داروين في كتابه (أصل الإنسان): "إن اختلاف الدماغ بين الإنسان والحيوانات العليا كبير، ولكنه كبير من جهة الكم لا النوع؛ فقد رأينا أن الأحاسيس والحدس وجميع المشاعر والقدرات كالحب والذاكرة والانتباه وحب الاستطلاع والمحاكاة والدراية.. إلخ، كلها – والتي يفخر الإنسان بها – موجودة لدى كائن بدائي من الحيوانات العليا أو في بعض الأحيان لدى كائن متطور من الحيوانات الدنيا"(1).


يدعي بعض التطوريين من ناحية أخرى أن الإنسان يملك قدرات جديدة كليا ولا يمكن تفسيرها تبعاً لقدرات الأسلاف التطوريين.

يعرف هؤلاء بأصحاب "نظرية الظهور المفاجئ Emergentists"، ومنهم العالم "هارولد مورويتز Harold Morowitz"(2)(3)يقر هؤلاء العلماء أنه على الرغم من التشابهات المهمة بين الإنسان والقردة إلا أنها تشابهات بعيدة، وخصوصاً فيما يتعلق بالقدرات العقلية والروحية، فيعتبرون أن القدرات المتطرفة، كتلك التي كانت لـ "ويليام جيمس سيديس William James Sidis"(4)، تشير إلى أن الفروق بين الإنسان والقرود جذرية، وتعتبر فروقاً نوعية وليست فروقاً كمية فقط كما ادعى داروين(5).


كيف أصبحنا بشراً ؟

لازال عوام الملحدين الذين اتخذوا التطور كايدولوجيا لنكران الخلق وبالتالي نكران الإله يتشدقون بنسبة التشابه بين الإنسان والشمبانزي معتبرين ذلك دليلا على أصل مشترك. وساعدت دعاية متحيزة كُلياً لنشر تلك الأفكار وتجاهل حقيقة الأبحاث الحديثة والحقيقية التي أثبتت عكس ذلك الادعاء. فهل فعلاً الادعاء بتشابهه الشمبانزي والإنسان يتجاوز 98% كما يدعى هؤلاء صحيح علميا ؟


في مقال علمي وجدته في مجلة (Scientific American)(6) الداروينية الشهيرة في عدد ديسمبر 2009م، قامت الدكتورة (كاثرين پولارد Katherine S. Pollard)(7) بنشر مقال علمي بعنوان (What Makes Us Human?). وقد تُرجم المقال إلى اللغة العربية في "مجلة العلوم الكويتية" تحت عنوان (ما الذي يَجْعَلُنَا بَشَرًا؟) في عدد ديسمبر 2009.

تجربة مسح الجينوم: 

للعثور على تلك الأجزاء من جينومنا التي جعلتنا بشرا، قامت الباحثة كاتبة المقال بدراسة متوالية (DNA) في أحد الجينات ويُطلق عليه (HAR1) وقامت بدراسة هذا الجين في كل من الإنسان والشمبانزي والدجاج واكتشفت أن المتوالية للـ (DNA) بين الشمبانزي والدجاج تختلف في قاعدتين فقط من أصل 118 قاعدة بينما يصل الاختلاف بين الإنسان والشمبانزي إلى 18 قاعدة، مما يشير إلى أنّ الجين (HAR1) قد اكتسبت وظيفة جديدة مهمة في البشر. وهذا يُشكك في دلالة (DNA) وقدرته على التمييز بين الكائنات الحية المختلفة وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد متواليات لقواعد نيتروجينية وليس معنى أن مقاس حذاء الإنسان أقرب لمقاس حذاء التمساح من مقاس حذاء الفيل أننا والتماسيح من أصل واحد فهذه سطحية في البحث ودجل بإسم العلم. 

(شكل:1): تغيرات المتوالية البشرية مقارنة بالتغيرات في متوالية الشمبانزيات والدجاج.  

وللحديث بقية في المقال القادم...
---------------------------------------------------------------------------

(1)    Charles Darwin, “The Descent of Man and Selection in Relation to Sex”, 2nd ed (London: John Murray, 1882), p 126 .

(2)    ولد 4 ديسمبر 1927م، في بوغكيبسي، نيويورك. وتوفي 22 مارس 2016م. حصل على شهادة البكالوريوس في الفيزياء والفلسفة في عام 1947، وماجستير في الجراحة في الفيزياء في عام 1950، وعلى درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية في عام 1951، كل من جامعة ييل. كان أستاذ في قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والكيمياء الحيوية في جامعة ييل 1955-1987. درس تطبيق الديناميكا الحرارية إلى المنظومات الحية. مؤلف العديد من الكتب والمقالات، ويشمل عمله الدراسات التقنية فضلا عن مقالات. وكان موضوع أصل الحياة اهتمامه من الأبحاث الأولية لأكثر من خمسين عاما.

(3)    Harold J. Morowitz, “The Emergence of Everything: How the World Became Complex”, (Oxford: Oxford University Press, 2002), chs 28-32.

(4)    ربما كان "ويليام جيمس" (1898م – 1944م)، أذكى إنسان عاش في هذا العالم، إذ يتراوح معدل ذكائه حسب مقياس IQ بين (250 – 300)، استطاع قراءة صحيفة نيويورك تايمز بعمر 18 شهراً، وتعلم اللاتينية بنفسه في سن السنتين، ثم تعلم اليونانية في الثالثة من عمره، واستطاع طباعة الأحرف بكل من الإنجليزية والفرنسية في الرابعة من عمره، قدم بحثاً في التشريح وهو في سن الخامسة، وأذهل الناس بقدراته الرياضية، تخرج من مدرسة بروكلين الثانوية بـ (ماساشوستس) وهو في الثامنة، وكان على وشك الالتحاق بجامعة هارفارد، لولا أن هيئة القبول فيها قررت تأجيل ذلك لعدة سنوات ريثما يتم نضجه الاجتماعي، استجاب ويليام للقرار ودخل الجامعة في سن الحادية عشر، ونال الشهادة الجامعية بمرتبة الشرف في السادسة عشر ليصبح فيما بعد أصغر بروفيسور في التاريخ. استنتج ويليام احتمالية وجود الثقوب السوداء قبل أن يتنبأ بذلك عالم الفضاء " شاندراسيخار Subrahmanyan Chandrasekhar"، وعندما بلغ كان يتكلم بأكثر من أربعين لغة ولهجة محلية.

(5)    Mortimer Adler, “The Difference of Man and the Difference It Makes” New York: Fordham University Press, 1993. 

  (5)    هي مجلة أدبيات علمية أمريكية صدرت طبعتها الأولى في 28 أغسطس 1845، وبهذا تكون من أقدم المجلات المنشورة في الولايات المتحدة. تنشر المجلة شهريا الجديد في أخبار الأبحاث العلمية ولكنها ليست دورية علمية موجهة للمتخصصين الأكاديميين كما هو الحال في دورية (Nature) مثلا، وإنما للعامة والقراء العاديين. وتصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الترجمة العربية للمجلة بعنوان مجلة العلوم.

  (6)    باحثة في الإحصاء الحيوي بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. وفي عام 2003، بعد حصولها على الدكتوراه وإجراء أبحاث بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا ببيركلي، بدأت "كاثرين" زمالة في الجينوميات المقارنة في جامعة سانتا كروز، وشاركت خلالها في سَلْسَلة جينوم الشمبانزيات. استخدمت "كاثرين" هذه المتوالية لتحديد النواحي الأسرع تطورا في الجينوم البشري. وفي عام 2008 حصلت على زمالة سلون Sloan البحثية في البيولوجيا الجزيئية الحسابية والتطوّرية، ومؤخرا شرعت في دراسة تطور الميكروبات التي تعيش في جسم الإنسان.




Friday, October 21, 2016

الصدمة الحضارية: بين نابليون وصحيح البخاري

الصدمة الحضارية: بين نابليون وصحيح البخاري
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker



• عظمة العالم الإسلامي ما قبل الصدمة الحضارية 
----------------------------------------------------
كتبت المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه كتاب بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة" (1) وتصف في هذا الكتاب كما واضح من عنوانه عظمة الحضارة الإسلامية العربية وكيف تأثر الغرب من هذه الحضارة وكيف كنا ..

وفي الباب الرابع من هذا الكتاب تصف المؤلفة كيف كان الغرب "الفرنجة" في وقت الحروب الصليبية يعالجون مرضاهم من الأمراض فتأتي بقصة نقلتها من مذكرات "أسامة بن المنقذ" (2) وكيف رأى علاجهم للمرضى فتنقل في كتابها هذا الكلام: 
" ومن عجيب طبهم أن صاحب المنيطرة (3) كتب إلى عمي يطلب منه إنفاذ طبيب يداوي مرض من أصحابه. فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى ! قال: أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجله دمَّـلةُ ، وامرأة قد لحقها نِشاف. فعملتُ للفارس لـُبَيْخَة ففتحت الدملة وصلحت. وحميتُ المرأة ورطبت مزاجها. فجاءَهم طبيب إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئاً يداويهم؛ وقال للفارس: أيـُّهما أحبّ إليك، تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين ؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: احضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعة، فحضر الفارس والفأس، وأنا حاضر، فحطّ قدمه على قرمة خشب وقال للفارس: أُضرب رجله بالفأس ضربة واحدة؛ اقطعها. فضربه، وأنا أراه، ضربة واحدة ما انقطعت. ضَربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات الرجل من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها. فحلقوه. وعات تأكل من مآكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النشاف، فقال: الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشقّ رأسها صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليَّ حاجة ؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبَّهم ما لم أكن أعرفه " (4) . 

هكذا كان حالهم وتخلفهم الحضاري في هذا الوقت وسنرى ماذا حدث بعد ذلك لنا ولهم عبر العصور .. 

• لحظات الصدمة الحضارية 
-----------------------------
أثناء الحروب الصليبية احتكت أوروبا المتخلفة بالحضارة الإسلامية التي كانت تحكم العالم، فحدثت صدمة حضارية لدى أوروبا صدمة ساهمت في النهضة الأوروبية الحديثة ودار الزمان دورته وتغيرت الموازيين وقادت أوروبا الحضارة الإنسانية في غفلة من المسلمين الذين أغلقوا عقولهم وصرفوا همتهم لشرح المختصرات واختصار المطولات، في ظل أزمات سياسية وحضارية متوالية حتى صحي المسلمون على أصوات مدافع نابليون بونابارت وهي تدك أبواب مصر وهنا حدثت الصدمة الحضارية المعاكسة ووجد المسلمون أنفسهم أمام فجوة حضارية عميقة بينهم وبين أوروبا وكانت النتيجة سقوط العالم العربي والإسلامي تحت وطئت الاستعمار الحديث .. 

ولحظات دخول نابليون إلى مصر كان يعتقد الأمراء حينها أنهم أقوياء قادرين على هزم إي جيش وفي خيالهم الحروب الصليبية القديمة التي هزمنها فيها الفرنجة، وكانوا يقولون "أنه إذا جاءت جميع الإفرنج لا يقفون في مقابلتهم، وأنهم يدوسونهم بخيولهم (5)".. 

يحكي لنا المؤرخ المصري "الجبرتي"(6) في تاريخه عن لحظات دخول نابليون إلى مصر ويقول: 
" ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بيك، ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية، وحضر عدة وافرة من عساكر الأرنود من دمياط، وطلعوا إلى إنبابة وانضموا إلى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس، فلما عاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية وأخلاط الناس بالصياح ورفع الأصوات بقولهم: (يارب ويا لطيف ويا رجال الله )، ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم، فكان العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك، ويقولون لهم: ( إن الرسول والصحابة والمجاهدين، إنما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب، لا برفع الأصوات والصراخ والنباح، فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ) (7) " . 

هكذا يصف الجبرتي حال العامة من الناس وكيف كان حالهم في هذه الحرب ! ... 

وفي موضع أخر من كتاب عجائب الآثار يحكي لنا الجبرتي: 
" وفي يوم الأحد غرة شهر صفر(8)، وردت الأخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم(9)، التقى العسكر المصري مع الفرنسيس، فلم تكن إلا ساعة وانهزم مراد بك ومن معه، ولم يقع قتال صحيح، وإنما هي مناوشة من طلائع العسكرين، بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية، واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردلى، وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان علقت نار بالقلع وسقط منها نار إلى البارود فاشتعلت جميعها بالنار، واحترقت المركب بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء، فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزم وترك الأثقال والمدافع وتبعته عساكره، ونزلت المشاة في المراكب، ورجعوا طالبين مصر، ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر، فاشتد انزعاج الناس وركب إبراهيم بك إلى ساحل بولاق، وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس، وأعملوا رأيهم في هذا الحادث العظيم، فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق إلى شبرا ويتولى الإقامة ببولاق إبراهيم بك وكشافه ومماليكه، وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرءون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ فقراء(10) الأحمدية(11) والرفاعية(12) والبراهمة(13) والقادرية(14) والسعدية(15) وغيرهم من الطوائف وأرباب الأشاير(16)، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب، ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الأسماء"(17). 
هكذا كان حال الناس والشيوخ في مواجهة العدو بقراءة البخاري ! 

من هذه النصوص في كتب التاريخ تعرف ما الذي أصاب الأمة من ضعف ووهن ليس كما كانت في الأول كما قولنا من مذكرات ابن المنقذ فهناك تحول وفارق بين الحالتين تغير الخطاب بين الناس مما وكانت هذه مقدمات إلى معرفة أننا بحاجة إلى الإصلاحات وكان منها الإصلاح الديني الذي كانت تمثله حينها مؤسسة الأزهر . 

********************************************
(1) د. زيغريد هونكه، شمس العرب تشرق على الغرب: أثر الحضارة العربية في أوربة، الطبعة التاسعة ( الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، دار الأفاق الجديدة ) عام 1991 م . 
(2) أسامة بن المنقذ: ( 1095 – 1188 ) ولد في شيزر ( شمالي حماة ) وتوفى في دمشق. من فرسان العرب. اتصل بالفرنج الصليبيين فخاصمهم حيناً وصادقهم حيناً. أديب ومؤرخ. من مؤلفاته: "كتاب الاعتبار" "البديع في البديع" وهي رسالة في الشعر. "كتاب العصا" "كتاب المنازل والديار" . 
(3) قرب افقه عند منبع نهر إبراهيم في شمالي لبنان . 
(4) راجع كتاب الاعتبار لأسامة بن المنقذ تحقيق الدكتور فيليب حتى، ( مكتبة الثقافة الدينية )، ص 132، 133 
(5) عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ( مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1998 م ) ج3 ، ص 2 . 
(6) هو عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي ( ولد في القاهرة عام 1756م – وتوفى في القاهرة عام 1825م ). و هو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" والمعروف اختصاراً بـ"تاريخ الجبرتي" والذي يعد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة الهامة من الحملة الفرنسية. قدم أبو جده من قرية جبرت - والّتي تقع الآن في أرتيريا - إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، واستقر بها. 
(7) نفس المصدر، ج3 ، ص 10، 11 . 
(8) 1 صفر 1213 هـ / 15 يوليه 1798 م . 
(9) 29 محرم 1213 هـ / 13 يونيه 1798 م . 
(10) فقراء: مصطلح صوفي، عادة ما يطلق على الصوفية، والمقصود به هنا هذا المعنى . 
(11) الأحمدية: طريقة صوفيه نسبة إلى السيد أحمد البدوي . 
(12) الرفاعية: طريقة صوفيه نسبة إلى السيد أحمد الرفاعي . 
(13) البراهمة: طريقة صوفيه كانت قائمة في مصر في العصر العثماني . 
(14) القادرية: نسبة إلى عبد القادر الجيلاني . 
(15) السعدية: طريقة صوفية كانت قائمة أنذاك . 
(16) أرباب الأشاير: مصطلح كان يطلق على رجال الطرق الصوفية . 
(17)  عبد الرحمن بن حسَن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ( مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1998 م ) ج3 ، ص 6 ، 7 .


أثَر الحضَارة العربّية في أوروبَة

أثَر الحضَارة العربّية في أوروبَة

بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker


أنقل لكم جزء من أحدى الفصول من كتابي الجديد عن ”نشأة الحياة“ الذي ما زلت قائم على كتابته هذه الأيام.. 

يعتقد البعض أننا حينما نتكلم عن مفهوم التطور والتدرج في الخلق فنحن هنا نتحدث عن نظرية التطور لداروين وهذا أمر غير صحيح فهناك علماء غير داروين قد تكلموا قبله بقرون عن مفهوم التدرج في الخلق وأنا أدعى أن داروين وأمثاله من علماء الغرب قد أطلعوا على هذه الكتب العربية والتي كانت منتشرة في الغرب بكثرة لأنها كانت المصدر الرئيسي في التعليم الغربي. 

قد يقول قائل من أين أتيت بهذا الادعاء أن الغرب قد تعلموا مننا نحن العرب ؟ 

لك الحق أن تندهش من هذا الكلام ولكن هذا ليس كلامي وحدي ولكن بشهادة علماء الغرب أنفسهم وهذه شهادة حق دُونت في الكتب للتاريخ. 

تقول المستشرقة الألمانية "د.زيغريد هونكه": "والعرب قد احتلوا فعلاً جزءاً من أُوروبة هو الأندلس. فلم يقضوا على المسيحية التي يزعمون أن شارل مارتل قد حماها، ولم يقضوا على المدنية الغربية التي لم يكن لها وجود !! لقد حوّلوا الأندلس في مائتي عام حكموها من بلد جدب فقير مستعبد إلى بلد عظيم مثقف مهذب يقدَّس العلم والفن والأدب، قدّم لأوروبة سبل الحضارة وقادها في طريق النور."(1) 

لقد اعترف الجميع للعرب بفضلهم في إيصال أعمال الفلاسفة والعلماء القدماء وآثارهم للعالم الحديث. 

وتقول أيضاً: "إن الحضارة العربية المبتكرة، لم تأخذ عن الحضارة الإغريقية أو الحضارة الهندية إلا بقدر ما أخذ طاليس أو فيثاغوروس من الحضارتين البابلية والمصرية. لقد طوَّر العرب، بتجاربهم وأبحاثهم العلمية، ما أخذوه من مادة خام عن الإغريق، وشكلوه تشكيلاً جديداً. فالعرب، في الواقع، هم الذين ابتدعوا طريقة البحث العلمي الحق القائم على التجربة."(2)  

وتقول "د.زيغريد هونكه"(3): "العرب عندهم فقط بدأ البحث العلمي الدائب الذي يمكن الاعتماد عليه، يتدرج من الجزئيات إلى الكليات، وأصبح منهج الاستنتاج هو الطريقة العلمية السليمة للباحثين. وبرزت الحقائق العلمية كثمرة للمجهودات المضنية في القياس والملاحظة بصبر لا يعرف الملل. وبالتجارب العلمية الدقيقة التي لا تحصى، اختبر العرب النظريات والقواعد والآراء العلمية مراراً وتكراراً؛ فأثبتوا صحة الصحيح منها وعدلوا الخطأ في بعضها. ووضعوا بديلاً للخاطئ منها متمتعين في ذلك بحرية كاملة في الفكر والبحث، وكان شعارهم في أبحاثهم – الشك هو أول شروط المعرفة – تلك هي الكلمات التي عرفها الغرب بعدهم بثمانية قرون طوال. وعلى هذا الأساس العلمي سار العرب في العلم الطبيعية شوطاً كبيراً، أثر فيما بعد، بطريق غير مباشر، على مفكري الغرب وعلمائه أمثال (روجر باكون Roger Bacon) و (ماجنوس Mognus) و (فيتليو Vitelho) و (ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinei) و جاليليو."(4) 

تقول أيضاً : "إنَّ العرب لم ينقذوا الحضارة الإغريقية من الزوال ونظموها ورتبَّوها ثم أهدوها إلى الغرب فحسب، إنهم مؤسسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب والجبر والجيولوجيا وحساب المثلثات وعلم الاجتماع. وبالإضافة إلى عدد لا يحصى من الاكتشافات والاختراعات الفردية في مختلف فروع العلم والتي سُرِق أغلبها ونُسب إلى لآخرين، قدم العرب أثمن هدية وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهّدت أمام الغرب طريقة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم. ولعلّ أبرز رجال الغرب الأوائل الذين بهرتهم حضارة العرب ولم يخجلوا من الارتباط بهم هو القيصر الصقلي فردريك الثاني، أحد القياصرة الأعلام في التاريخ." (5) 

وكان الغرب "الفرنجة" في وقت الحروب الصليبية يعالجون مرضاهم من الأمراض، فنأتي بقصة نقلتها من مذكرات "أسامة بن المنقذ"(6) وكيف رأى علاجهم للمرضى فنقل لنا هذا الكلام: 

"ومن عجيب طبهم أن صاحب المنيطرة(7) كتب إلى عمي يطلب منه إنفاذ طبيب يداوي مرض من أصحابه. فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى ! قال: أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجله دمَّـلةُ ، وامرأة قد لحقها نِشاف. فعملتُ للفارس لـُبَيْخَة ففتحت الدملة وصلحت. وحميتُ المرأة ورطبت مزاجها. فجاءَهم طبيب إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئاً يداويهم؛ وقال للفارس: أيـُّهما أحبّ إليك، تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين ؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: احضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعة، فحضر الفارس والفأس، وأنا حاضر، فحطّ قدمه على قرمة خشب وقال للفارس: أُضرب رجله بالفأس ضربة واحدة؛ اقطعها. فضربه، وأنا أراه، ضربة واحدة ما انقطعت. ضَربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات الرجل من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها. فحلقوه. وعات تأكل من مآكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النشاف، فقال: الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشقّ رأسها صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليَّ حاجة ؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبَّهم ما لم أكن أعرفه." (8) 

أليس كل هذا يدل على أن أوروبة لم تكن أوروبة التي نعرفها وأن الفضل في جعلها في مثل هذا التقدم العلمي هو يرجع للحضارة العربية. ألا يدل كل هذا على أن داروين وأمثاله هو نتاج التقدم العلمي العربي الذي تأثروا به في بلادهم. وأن ما توصلوا إليه من نظريات علمية ليست من بنات أفكارهم المحضة بل هي نتاج القراءة والتعلم في الجامعات لديهم من كتب الحضارة العربية. 

لذلك أقول أن أفكار داروين عن التطور لم تكن من بنات أفكاره هو بل من اطلاعه على كتب العلماء العرب الذين سوف نطرح أراهم في هذا الفصل عن التدرج في الخلق. 

****************************************************************************
(1) د.زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب: أثَر الحضَارة العربّية في أوروبَة، ط 9،ترجمة: فاروق بَيضون، كمال دسوقي، دار الأفاق الجديدة – المغرب، 1411 هـ/1991 م، ص 541 . 
(2) نفس المرجع، ص 401،400 . 
(3) هي مستشرقة ألمانية طائرة الشهرة، أحبت العرب، وصرفت وقتها كله باذلة الجهد للدفاع عن قضاياهم والوقوف إلى جانبهم. وهي زوجة الدكتور شولتزا، المستشرق الألماني الكبير، الذي اشتهر بصداقته للعرب وتعمقه في دراسة آدابهم والإطلاع على آثارهم ومآثرهم. 
وقد عاشت المؤلفة، مع زوجها، عامين اثنين في مراكش، كما قامت بعدد من الزيارات للبلدان العربية دراسة فاحصة. 
تناولت المؤلفة، في اطروحتها التي تقدمت بها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة برلين، أثر الأدب العربي في الآداب الأوروبية. وكتابها "شمس العرب تشرق على الغرب" هو ثمرة سنين طويلة من الدراسة الموضوعية العميقة. 
(4) المرجع نفسه، ص 401 . 
(5) المرجع نفسه، ص 402،401 . 
(6) أسامة بن المنقذ: ( 1095 – 1188 ) ولد في شيزر ( شمالي حماة ) وتوفى في دمشق. من فرسان العرب. اتصل بالفرنج الصليبيين فخاصمهم حيناً وصادقهم حيناً. أديب ومؤرخ. من مؤلفاته: "كتاب الاعتبار" "البديع في البديع" وهي رسالة في الشعر. "كتاب العصا" "كتاب المنازل والديار". 
(7) قرب افقه عند منبع نهر إبراهيم في شمالي لبنان . 
(8) أسامة بن المنقذ، الاعتبار، حرره: د.فيليب حتى، مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة، ص 132، 133 . 

   



المقال السادس: أنواع المفكرين / سلسلة: بناء المفكر

المقال السادس: أنواع المفكرين / سلسلة: بناء المفكر

بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker

وها نحن قد وصلنا إلى المقال السادس من سلسلة (بناء المفكر)، وبعد أن شرحنا في خمسة مقالات سابقة التعريفات الهامة التي لها علاقة ببناء المفكر ثم شرحنا نموذج (خطوات بناء المفكر) بالتفصيل الدقيق. الأن نأتى إلى (نموذج (ثمن ح) لأنواع المفكرين).. وفيه أشرح أربع أنواع للمفكرين وهذا نموذج جديد جداً من إبداعي الخاص ومن خلال خبرتي العملية في الفكر.. 


  ·       أنوع المفكرين ومراحل تكوينهم:

نموذج (ثمن ح) لأنواع المفكرين



أولاً: الباحث الثائر (المثقف المبتدئ): هو:

  -       مثقف بدأ في القراءة والاطلاع.
  -       ثائر على الأفكار القديمة وعلى كل شيء قديم.
  -       لديه الروح الشبابية الثائرة التي لديها حماس عالي وخصوصاً إذا كان عمره بالفعل في مرحلة الشباب.  
  -       يبدأ التخبط بين الأفكار المطروحة التي يراها جيدة بالنسبة له (حتى وإن كانت طُرحت من قبل أن يأتي هو للعالم بحوالي 30 عام) ولكنه يرى في هذه الأفكار أنها تشبعه من ناحية الإثارة والثورة على القديم لذلك يتبناها دون النظر إلى عُمقها الفكري بشكل دقيق.
  -       يأخذ المفاهيم العامة في هذه الأطروحات الثائرة وغالباً تكون منقولة شفاهيةً من شخص أخر دون أن يقرأ فيها هذا المثقف المبتدئ بشكل عميق وحتى وإن قرأ لا يستوعبها بشكل شديد نظراً لعدم نضجه الفكري والعُمري.

ثانياً: المفكر المراهق: هو:

  -       مثقف باحث عن الحقيقة (أخذت مدة بحثه حوالي من 3 إلى 5 سنوات).
  -       يحاول أن يقرأ هنا وهناك ويُكون رؤية واضحة.
  -       يبحث على ماذا سيتعلم ويُصبح مسار مشروعة الفكري الذي سيستمر عليه طوال حياته ويُغير به الواقع والمجتمعات للنهوض بها.
  -       ينتقل كثيراً بين المشاريع الفكرية التي يُريد أن يتبناها ولم يستقر عليها حتى الأن.
  -       الحماس والشغف عالي لديه في البحث والمعرفة.
  -       لديه بعض الثورة الكبيرة على كل شيء قديم ولكن حدته نحو القديم تبدأ في الهدوء.
  -       يُحاول أن يضع أفكاره التي يتبناها وحللها ونقدها عبر رحلته الفكرية في إطار نظري كامل ولكنه لا يعرف كيف يفعل ذلك بشكل دقيق وواضح.
  -       طرح أبحاث صغيرة مجموعة مقالات في مجال اهتمامه الفكري وطرحها على الجمهور ليأخذ رأيه فيها وينتقده ويرد عليهم لتنضج أفكاره.

ثالثاً: المفكر الناضج: هو:

  -       باحث عن الحقيقة (أخذت مدة بحثه حوالي من 5 إلى 15 سنوات).
  -       يبدأ في كتابة أول كتاب له ويحاول أن يكون أفضل كتبه ليقرأها الجميع.
  -       قرأ الكثير والكثير من المراجع والكتب الفكرية وأطلع على الكثير من أفكار المفكرين وعرف الكثير من المفكرين من خلال القراءة ومن الممكن أن يكون قد أحتك مباشرة بالمفكرين والعلماء وقابلهم مباشرة وسمع منهم ونصحوه.
  -       أصبحت لديه رؤية كاملة وواضحة عما سيقدمه للمجتمع ولجمهوره وأتضح لديه مشروعه الفكري الذي كرث حياته كلها من أجل هذا المشروع الفكري. 
  -       قدم الكثير من المحاضرات والندوات والدورات في مجال اهتمامه الفكري وكون شريحة من الجمهور بدأت في الاستماع له والإعجاب بأفكاره المطروحة.

رابعاً: المفكر الحكيم: هو:

  -       باحث عن الحقيقة (أخذت مدة بحثه حوالي من 15 سنة إلى يوم الوفاة ).
  -       شخص موضوعي جداً ينتقد ذاته قبل نقد الآخرين.
  -       يُطور من نفسه ومن أفكاره دائماً ولا يكون جامداً على الأفكار.
  -       لديه رؤية كُلية للأمور ولا ينغمس في الأمور الصغيرة الحجم من المواضيع وإنما يُركز على كيف تنهض أمته.
  -       يحاول نشر السلام من حوله ولا ينجرف مع العاطفة السائدة من قضايا التحريض ضد الآخرين، الناس لديه كأسنان المشط.
  -       يضع نظريات جديدة في الفكر ولا يكتفي بنقد القديم أو تعديله وتنقيحه فقط.
  -       قدم الكثير من المؤلفات التي تخدم مشروعة الفكري لنهضة أمته والإنسانية من حوله.
  -       يحاول أن يبني مُفكرين آخرين مثله ويدعمه بكل ما يستطيع ويقف بجانبهم.
  -       يركز كثيراً على مشاريع الإصلاح والبناء أكثر من المشاريع الثورية التي فيها نوع من الهدم.