Saturday, October 15, 2016

مفهوم ( الجن ) في القرآن الكريم بين الحقيقة والوهم

مفهوم ( الجن ) في القرآن الكريم بين الحقيقة والوهم
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

  ·        قررت أن أبحث في تلك المفاهيم القرآنية مثل مفهوم الجن ومفهوم الشيطان ومفهوم إبليس ومفهوم العفريت ومفهوم الإنس كل تلك المفاهيم في القرآن الكريم من أجل أن أثبت للناس حقيقة ما نعيش فيه في عالمنا العربي من قصص وعجائب حول كائنات خفية لا نُدركها تؤثر هي فينا ونحن لا نؤثر فيها، وقصص وحكايات قد ظهرت حول شيء واحد له عدة مسميات وله صفات محددة في ذهن كثير من الناس في عالمنا العربي وهو ( الجن أو العفريت أو الشيطان أو إبليس ) كل تلك الأسماء لكائن هلامي خفي له قوة خارقة نحن لا نُدركها فنحن نقصد بهذه المسميات الأشباح التي تظهر في أفلام الغرب التي تسمى بأفلام الرعب وهي التي تسكن أحياناً البيوت التي لم يذكر فيها أسم الله أو حتى التي يذكر أسم الله فيها !!

  ·        فعالمنا العربي مسكون بكل تلك الأشياء وتتداول هذه القصص عن هذه المسميات جيل بعد جيل حتى ترسخت بداخلنا مفاهيم مغلوطة عن هذه المفاهيم وجاء القرآن الكريم ليتكلم عن هذه المسميات ولكننا حملنا مفاهيمنا المسبقة عليه وقلنا أن القرآن يتكلم عما نحن نعتقده دون أن نتدبر القرآن ونفهم الآيات التي تكلمت عن هذه الكلمات التي ذكرتها، فقط تسرعنا وألقينا بالحكم وقلنا أنها مذكورة في القرآن وكل من يحاول أن يفهم يقول لك الناس هل تنكر ما قيل في كتاب الله !!

  ·        فنحن لا ننكر ما قيل في كتاب الله ولكن نحاول أن نفهمه كما أمرنا الله تعالى دون أن نلقي بمعتقادتنا عليه، وظلت هذه الأساطير تُلازمنا منذ القرن الثاني الهجري في كتب الفقه حتى يومنا هذا !!
فجاء الوقت الأن أن نعيد قراءة وتدبر هذه المفاهيم من جديد من داخل القرآن الكريم وليس من خارجه بلسانه هو وليس بالفهم الأسطوري الهلامي، فنحن الآن أسهل كلمة يمكن أن نطلقها على أي شخص نستعجب من تصرفاته أنه ملبوس وراكبه جني شيطاني !!

  ·        جاءت كلمة ( الجن ) مشتقة من الجذر اللساني ( جَـنَ )؛ وقد أتت مشتقات هذا الجذر في القرآن ما يقارب حوالي ( 203 ) مشتقة، فدعونا ننظر لهذا الجذر في المعاجم وفي دلالة أصواته من القرآن لنفهم ما المقصود منه بالضبط..

  -       في معجم مقاييس اللغة ( لأبن فارس ) ( متوفى 395 هـ )؛ قال:
( جن ) الجيم والنون أصل واحد، وهو (السَّتْرو) التستر. فالجنة ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستور عنهم اليوم.
والجنة البستان، وهو ذاك لأن الشجر بورقه يستر. والجنين: الولد في بطن أمه. والمِجَنُ: الترس. وكل ما استتر به من السلاح فهو جنة.
وجنان الليل: سواده وستره الأشياء. فأما الحية الذي يسمى الجان فهو تشبيه له بالواحد من الجان. والجن سموا بذلك لأنهم متسترون عن أعين الخلق. والجناجن: عظام الصدر.

  -       وفي معجم لسان العرب ( لأبن منظور ) ( متوفى 711 هـ )؛ قال:
جنن: جن الشيء يجنه جناً: ستره. وكل شيء سُتر عنك فقد جن عنك. وجنه الليل يجنه جناً وجنوناً وجن عليه يجن، بالضم، جنوناً وأجنه: ستره.
جن عليه الليل أي ستره، وبه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه.
والجنة: الحديقة ذات الشجر والنخل، وجمعها جنان.

  ·        دلالة أصوات الجذر ( ج – ن ):
ج: صوت يدل على جهد أو شدة.
ن: صوت يدل على ستر أو اختباء أو سكون.
( جَـنَ ): كلمة تدل على طاقة قوية وشديدة مستترة وساكنة .

  ·        كما رأينا في المعاجم وفي دلالة حروف هذا الجذر أن ( جَـنَ ) هي صفة للأشياء تدل على قوة طاقية شديدة تكون مستترة وساكنة، تنتظر للظهور بفعلها.. وينطبق ذلك على تلك الآيات:

  1-  قال الله تعالى: " إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ " النجم: 32

( الجنين ) مشتقة أتت من هذا الجذر لتدل على الكائن البشري الذي يكون داخل بطن الأم أثناء فترة حملها له فهو من جنس البشر الإنساني ولكن أخذ صفة ( جَنَ ) وأصبح ( جنين ) لأنه قوة شديدة جاءت من تلاقي الحيوان المنوي في الذكر مع البويضة في الأنثى فجمعت هذه الطاقة الخفية - في غرفة النوم التي لا يراها أحد من الناس بشكل سري جدا – التي نشأت من نطفة صغيرة لتسكن وتستتر داخل بطن الأم خلال فترة الحمل – تسعة أشهر في الغالب – وتظهر في النهاية بعد هذه الفترة .

  2-  قال الله تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " آل عمران: 185

قال الله تعالى: " الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   " الحديد: 12

( الْجَنَّةَ ): هو المكان الذي أعده الله تعالى في الآخرة لكل من عمل صالحاً في الحياة الدنيا، فأشتق من جذر ( جَنَ ) لأنه به طاقة عالية مختفية عنا اليوم ولا نراها تُوجد في عالم الأمر فبذلك تم سترها عنا لأننا لا نستطيع رؤيتها الآن في الوقت الحالي.

  3-  قال الله تعالى: " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا " الأنعام: 76

أستخدم النص القرآني هنا كلمة جن لليل ليدل على أن الليل فيه سُترة للأشياء وسكونها فجاءت الكلمة لتصف هذه الحالة بإستخدام ذلك المفهوم .

  4-  قال الله تعالى: " وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ " النمل: 10

الله تكلم عن عصا سيدنا موسى التي تحولت إلى ثعبان – وهذه آية من آيات الله تعالى – وصفها أنها كالجان، أذن أخذت العصا هذه الصفة بأنها قوة طاقية تجري بسرعة لدرجة أنها تستطيع الاختفاء ولا تلمحها بعينك وهذا سلوك أكثر الثعابين التي نراها اليوم في حياتنا.

  5-  قال الله تعالى: " إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " المنافقون: 1 – 2

الله يتحدث عن المنافقون ووصف اتخاذهم للأيمان ( بالجُنَّةً ) بمعنى أنه ستارة لنفاقهم على الرسول والمؤمنون وأن داخلهم طاقة شريرة مستترة لم تظهر وإنما تظهر بنفاقهم هذا، فأتت أيضاً من هذا الجذر ( جن ) ليصف حالة طاقية أخرى مستترة .

  ·        في كل ما عرضته لكم من آيات نرى أن استخدام هذا الجذر جاء ليدل على صفة في حالات كثيرة لأشياء مادية نعرفها، دل على أنه طاقة قوية شديدة تكون مستترة وساكنة وتترقب للظهور في الخفاء.

  ·        مثل الجماعات التي تعمل في الخفاء لتدمير الدول والمجتمعات فهولاء هم ( الجن )، يخططون للتدمير وللشر وبداخلهم طاقة كبيرة تسعى للدمار وتنتظر لتضرب ضربتها في الخفاء حتى لا يشعر بها أحد.

  ·        بهذا المقال أكون قد وضحت أجزاء كبيرة جداً من مفهوم كلمة ( الجن ) وعلى ماذا تدل وهذا يدعنا أن نفهم الآيات القادمة التي جاءت فيها هذه الكلمة بمنظور أخر عن أنها كائن شبحي لا نراه ولكن هي صفة لأشياء، وبهذا المقال أكون قد أزلت بعض من اللبس حول هذا المفهوم وللحديث باقية إن شاء الله لتوضيح باقي المفاهيم التي لها علاقة بمفهوم ( الجن )...




No comments:

Post a Comment