Friday, October 21, 2016

أثَر الحضَارة العربّية في أوروبَة

أثَر الحضَارة العربّية في أوروبَة

بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

للتواصل على الأكونت الرسمي للمؤلف:
https://www.facebook.com/Dr.Mohamed.Khalawy.Shaker


أنقل لكم جزء من أحدى الفصول من كتابي الجديد عن ”نشأة الحياة“ الذي ما زلت قائم على كتابته هذه الأيام.. 

يعتقد البعض أننا حينما نتكلم عن مفهوم التطور والتدرج في الخلق فنحن هنا نتحدث عن نظرية التطور لداروين وهذا أمر غير صحيح فهناك علماء غير داروين قد تكلموا قبله بقرون عن مفهوم التدرج في الخلق وأنا أدعى أن داروين وأمثاله من علماء الغرب قد أطلعوا على هذه الكتب العربية والتي كانت منتشرة في الغرب بكثرة لأنها كانت المصدر الرئيسي في التعليم الغربي. 

قد يقول قائل من أين أتيت بهذا الادعاء أن الغرب قد تعلموا مننا نحن العرب ؟ 

لك الحق أن تندهش من هذا الكلام ولكن هذا ليس كلامي وحدي ولكن بشهادة علماء الغرب أنفسهم وهذه شهادة حق دُونت في الكتب للتاريخ. 

تقول المستشرقة الألمانية "د.زيغريد هونكه": "والعرب قد احتلوا فعلاً جزءاً من أُوروبة هو الأندلس. فلم يقضوا على المسيحية التي يزعمون أن شارل مارتل قد حماها، ولم يقضوا على المدنية الغربية التي لم يكن لها وجود !! لقد حوّلوا الأندلس في مائتي عام حكموها من بلد جدب فقير مستعبد إلى بلد عظيم مثقف مهذب يقدَّس العلم والفن والأدب، قدّم لأوروبة سبل الحضارة وقادها في طريق النور."(1) 

لقد اعترف الجميع للعرب بفضلهم في إيصال أعمال الفلاسفة والعلماء القدماء وآثارهم للعالم الحديث. 

وتقول أيضاً: "إن الحضارة العربية المبتكرة، لم تأخذ عن الحضارة الإغريقية أو الحضارة الهندية إلا بقدر ما أخذ طاليس أو فيثاغوروس من الحضارتين البابلية والمصرية. لقد طوَّر العرب، بتجاربهم وأبحاثهم العلمية، ما أخذوه من مادة خام عن الإغريق، وشكلوه تشكيلاً جديداً. فالعرب، في الواقع، هم الذين ابتدعوا طريقة البحث العلمي الحق القائم على التجربة."(2)  

وتقول "د.زيغريد هونكه"(3): "العرب عندهم فقط بدأ البحث العلمي الدائب الذي يمكن الاعتماد عليه، يتدرج من الجزئيات إلى الكليات، وأصبح منهج الاستنتاج هو الطريقة العلمية السليمة للباحثين. وبرزت الحقائق العلمية كثمرة للمجهودات المضنية في القياس والملاحظة بصبر لا يعرف الملل. وبالتجارب العلمية الدقيقة التي لا تحصى، اختبر العرب النظريات والقواعد والآراء العلمية مراراً وتكراراً؛ فأثبتوا صحة الصحيح منها وعدلوا الخطأ في بعضها. ووضعوا بديلاً للخاطئ منها متمتعين في ذلك بحرية كاملة في الفكر والبحث، وكان شعارهم في أبحاثهم – الشك هو أول شروط المعرفة – تلك هي الكلمات التي عرفها الغرب بعدهم بثمانية قرون طوال. وعلى هذا الأساس العلمي سار العرب في العلم الطبيعية شوطاً كبيراً، أثر فيما بعد، بطريق غير مباشر، على مفكري الغرب وعلمائه أمثال (روجر باكون Roger Bacon) و (ماجنوس Mognus) و (فيتليو Vitelho) و (ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinei) و جاليليو."(4) 

تقول أيضاً : "إنَّ العرب لم ينقذوا الحضارة الإغريقية من الزوال ونظموها ورتبَّوها ثم أهدوها إلى الغرب فحسب، إنهم مؤسسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب والجبر والجيولوجيا وحساب المثلثات وعلم الاجتماع. وبالإضافة إلى عدد لا يحصى من الاكتشافات والاختراعات الفردية في مختلف فروع العلم والتي سُرِق أغلبها ونُسب إلى لآخرين، قدم العرب أثمن هدية وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهّدت أمام الغرب طريقة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم. ولعلّ أبرز رجال الغرب الأوائل الذين بهرتهم حضارة العرب ولم يخجلوا من الارتباط بهم هو القيصر الصقلي فردريك الثاني، أحد القياصرة الأعلام في التاريخ." (5) 

وكان الغرب "الفرنجة" في وقت الحروب الصليبية يعالجون مرضاهم من الأمراض، فنأتي بقصة نقلتها من مذكرات "أسامة بن المنقذ"(6) وكيف رأى علاجهم للمرضى فنقل لنا هذا الكلام: 

"ومن عجيب طبهم أن صاحب المنيطرة(7) كتب إلى عمي يطلب منه إنفاذ طبيب يداوي مرض من أصحابه. فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى ! قال: أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجله دمَّـلةُ ، وامرأة قد لحقها نِشاف. فعملتُ للفارس لـُبَيْخَة ففتحت الدملة وصلحت. وحميتُ المرأة ورطبت مزاجها. فجاءَهم طبيب إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئاً يداويهم؛ وقال للفارس: أيـُّهما أحبّ إليك، تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين ؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: احضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعة، فحضر الفارس والفأس، وأنا حاضر، فحطّ قدمه على قرمة خشب وقال للفارس: أُضرب رجله بالفأس ضربة واحدة؛ اقطعها. فضربه، وأنا أراه، ضربة واحدة ما انقطعت. ضَربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات الرجل من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها. فحلقوه. وعات تأكل من مآكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النشاف، فقال: الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشقّ رأسها صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليَّ حاجة ؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبَّهم ما لم أكن أعرفه." (8) 

أليس كل هذا يدل على أن أوروبة لم تكن أوروبة التي نعرفها وأن الفضل في جعلها في مثل هذا التقدم العلمي هو يرجع للحضارة العربية. ألا يدل كل هذا على أن داروين وأمثاله هو نتاج التقدم العلمي العربي الذي تأثروا به في بلادهم. وأن ما توصلوا إليه من نظريات علمية ليست من بنات أفكارهم المحضة بل هي نتاج القراءة والتعلم في الجامعات لديهم من كتب الحضارة العربية. 

لذلك أقول أن أفكار داروين عن التطور لم تكن من بنات أفكاره هو بل من اطلاعه على كتب العلماء العرب الذين سوف نطرح أراهم في هذا الفصل عن التدرج في الخلق. 

****************************************************************************
(1) د.زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب: أثَر الحضَارة العربّية في أوروبَة، ط 9،ترجمة: فاروق بَيضون، كمال دسوقي، دار الأفاق الجديدة – المغرب، 1411 هـ/1991 م، ص 541 . 
(2) نفس المرجع، ص 401،400 . 
(3) هي مستشرقة ألمانية طائرة الشهرة، أحبت العرب، وصرفت وقتها كله باذلة الجهد للدفاع عن قضاياهم والوقوف إلى جانبهم. وهي زوجة الدكتور شولتزا، المستشرق الألماني الكبير، الذي اشتهر بصداقته للعرب وتعمقه في دراسة آدابهم والإطلاع على آثارهم ومآثرهم. 
وقد عاشت المؤلفة، مع زوجها، عامين اثنين في مراكش، كما قامت بعدد من الزيارات للبلدان العربية دراسة فاحصة. 
تناولت المؤلفة، في اطروحتها التي تقدمت بها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة برلين، أثر الأدب العربي في الآداب الأوروبية. وكتابها "شمس العرب تشرق على الغرب" هو ثمرة سنين طويلة من الدراسة الموضوعية العميقة. 
(4) المرجع نفسه، ص 401 . 
(5) المرجع نفسه، ص 402،401 . 
(6) أسامة بن المنقذ: ( 1095 – 1188 ) ولد في شيزر ( شمالي حماة ) وتوفى في دمشق. من فرسان العرب. اتصل بالفرنج الصليبيين فخاصمهم حيناً وصادقهم حيناً. أديب ومؤرخ. من مؤلفاته: "كتاب الاعتبار" "البديع في البديع" وهي رسالة في الشعر. "كتاب العصا" "كتاب المنازل والديار". 
(7) قرب افقه عند منبع نهر إبراهيم في شمالي لبنان . 
(8) أسامة بن المنقذ، الاعتبار، حرره: د.فيليب حتى، مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة، ص 132، 133 . 

   



No comments:

Post a Comment