Sunday, October 16, 2016

مفهوم ( الشيطان ) في القرآن الكريم بين الحقيقة والوهم


مفهوم ( الشيطان ) في القرآن الكريم بين الحقيقة والوهم

بقلم: محمد خلاوى
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

   ·        أستكمل معكم ما بدأته في المقال السابق عن مفهوم الجن واليوم عن مفهوم الشيطان الذي يعتقد كثيراً من الناس أنهم شيئاً واحد وهذا غير صحيح، فكما قلت لكم أن القرآن لا توجد فيه كلمه مثل الأخرى فكل كلمة مفهوم مستقل بذاتها يجب أن يُدرس ونتدبر فيه، وهذا ما نفعله اليوم في هذه السلسلة من المفاهيم القرآنية..

 قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  " النور: 21

  ·        جاءت كلمة ( الشيطان ) مشتقة من الجذر اللساني ( شَطَنَ )؛ أتت مشتقات هذا الجذر في القرآن الكريم وقد بلغت حوالي ( 88 ) مشتقة، فدعونا ننظر لهذا الجذر في المعاجم وفي دلالة أصواته من القرآن لنفهم ما المقصود منه بالضبط..

  -       في معجم مقاييس اللغة ( لأبن فارس ) ( متوفى 395 هـ )؛ قال:
 ( شطن ) الشين والطاء والنون أصلُ مطرد صحيح يدل على البُعد. يقال شطنت الدار تشطن شطوناً إذا غربت.
ويقال بئر شَطون، أي بعيدة القعر. والشطن: الحبل. وهو القياس، لأنه بعيدُ ما بين الطرفين.
وأما الشيطان فقال قوم: هو من هذا الباب، والنون فيه أصلية، فسمي بذلك لبعده عن الحق وتمرده. وذلك أن كل عاتٍ متمردٍ من الجن والإنس والدواب شيطان. وأن الحية تسمى شيطاناً. والشيطان على وزن فَيْعال.

   -       وفي معجم لسان العرب ( لأبن منظور ) ( متوفى 711 هـ )؛ قال:
شطن: الشطن: الحبل، وقيل: الحبل الطويل الشديد الفتل يُستقى به وتشد به الخيل، والجمع أشطان.
وبئر شطون: ملتوية عوجاء. وحرب شطون: عسرة شديدة. ورمح شطون: طويل أعوج.
والشطن: مصدر شطنه يشطنه شطناً: أي خالفه عن وجهه ونيته. والشيطان: حية له عُرفُ. والشاطن: الخبيث.
وقد تسمى الحية الدقيقة الخفيفة: شيطاناً وجاناً على التشبيه.

   ·        دلالة أصوات الجذر ( ش – ط – ن ):
ش: صوت يدل على حركة تشعب وانتشار.
ط: صوت يدل على اتجاه الحركة بعيداً عن المركز.
ن: صوت يدل على ستر أو اختباء أو سكون.

( شَطَنَ ): كلمة تدل على حركة منتشرة ومتشعبة، تبعد عن مركزها الأصلي، وتحاول الاختباء والتستر.

  ·        كما رأينا في المعاجم وفي دلالة حروف هذا الجذر أن ( شَطَنَ ) هي صفة للأشياء التي تحاول الابتعاد عن مركزها الأصلي .

  ·        أذن؛ كلمة ( الشيطان ) هو أسم صفة وليس أسم لجنس محدد، يتحقق هذا الاسم في أي شيء حاول أن يطبق فعل ( شَطَنَ ) وهو محاولة الابتعاد عن مركزها الأصلي.

  ·        فجذر ( شَطَنَ ) عندما أضيف له حرف الياء وحرف ألف المد أصبح الاسم ( شيطان )، فدلالة أصوات الحرفين هما:
ي: صوت يدل على خروج ووضوح شيء.
آ: صوت يدل على إثارة وامتداد في الزمان والمكان.
وهذا مما يدل ويضيف على الجذر ( شَطَنَ ) بكثرة البعد والانتشار في الزمان والمكان.


  ·        دعونا نتخيل إنسان مولود على الفطرة الربانية فهو بذلك ما زال قريب جداً من المركزية والمصدر الرئيس لكل هذا الوجود وهو ( الله )، فهذا الإنسان مع تطوره وحبه أكثر للحياة الدنيا ومتاعها الذي يغريه بمغريات الحياة المادية التي تجعلك تدخل في دوامة من التيه والبعد عن المركزية الإلهية، فتأخذك الحياة فتتعرف على أصدقاء السوء فتُجرب معهم نوع من المخدرات وتبدأ في التعود على مثل تلك الأشياء الضارة وهي ( فيروسات ) دخلت في جيناتك وأثرت على عقلك لتجعلك ( تشطن ) عن المركزية ( الله ) فتنزل من المستوى الآدامي الإنساني إلى المستوى الهمجي الفوضوي الشيطاني فتصبح بذلك أنت ( الشيطان ) الذي بعد وسيبعد إن لم يتقي ويتوب – يُنزل برنامج الحماية الذي يطرد تلك الفيروسات الضارة التي أصبحت قريناً له لا تفارقه – فتحتاج جيناته إلى أعادة تأهيل نفسي وبدني ورجوعها إلى المركزية ( الله سبحانه وتعالى ) ...


No comments:

Post a Comment