Friday, October 14, 2016

الفرق بين كلمة (الملأ الأعلى) و (الملائكة) في القرآن الكريم

الفرق بين كلمة (الملأ الأعلى) و (الملائكة) في القرآن الكريم
بقلم: محمد خلاوى 
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)

قال تعالى: " مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ " ص:69

قال تعالى: " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ  " البقرة: 34

  ·        منهجنا في التدبر هو أن نأخذ الكلمات القرآنية ونرجع بها إلى أصلها اللساني (الجذر)، فدعونا نلقي نظرة على جذور هذه الكلمات لنفهم دلالتها من لسان القرآن اللسان العربي المبين .

   ·        كلمة ( الملأ ) جاءت من جذر ( ملئ ): ( م – ل – ء ) :
    -     في معجم مقاييس اللغة ( لأبن فارس ) ( متوفى 395 هـ )؛ قال:
( ملئ ): الميم واللام والحرف المعتل. كلمة وهي الزمن الطويل .
وأقام مليئاً، أي دهراً طويلاً. وتمليتُ الشيء، إذ أقام معك زماناً طويلا .
وإذ هُمِز دل على المساواة والكمال في الشيء. وملأتُ الشيء. أملؤُه ملئاً. والملء : الاسم للمقدار الذي يُملأ؛ وسمى لأنه مساوٍ لوعائه في قدره.
ومنه المَلأ: الأشراف من الناس، لأنهم مِلئُوا كرما. جاء في الحديث (أحسنوا أملاءكم) والمعنى فيه أن حسن الخُلقُ من سجايا الملأ، وهم الشراف الكرام.

     -       وفي معجم لسان العرب ( لأبن منظور ) ( متوفى 711 هـ )؛ قال:
ملأ: مَلأَ الشيء يملؤه ملأً، هو مملوُء، وملأه فامتلأ، وتملأ، وإنه لحسن الملأة أي الملء، لا التملؤِ.
والملَأُ: الرؤساء، سموا بذلك لأنهم ملاءُ بما يحتاج اليه. والملأ: مهموز مقصور: الجماعة، وقيل أشراف القوم ووجوههم ورؤساؤهم ومقدموهم، الذين يرجع إلى قولهم.
ويقال فلان أملأُ لعيني من فلان، أي أتمُ في كل شيء منظراً وحسناً. وكذلك الملأُ إنما هم القوم ذووُ الشارة والتجمع للإدارة.

    ·        دلالة أصوات حروف الجذر ( م – ل – ء ) :
م: صوت يدل على جمع متصل ينضم ويتداخل ويتكامل في أطار واحد.
ل: صوت يدل على حركة ثقيلة متصلة لازمة.
ء: صوت خفيف يدل على ظهور مفاجئ في الزمان والمكان.

ملء: كلمة تدل على تجميع شيء واحد أو أشياء متصلة ومتكاملة في قالب واحد، ويظهر بشكل مفاجئ في الزمان والمكان.

   ·        ومنها جاءت كلمة ( المَلأُ ): التي تدل على مجموعة – قد تكون من الناس أو من كائنات أخرى – اجتمعوا بشكل متصل لأنهم يتداخلوا في صفات شبيهه ببعضها البعض فاجتمعوا عليها وتميزوا بها فأصبحوا من الصفوة المختارة من بين نوعهم الواحد.
قال الله تعالى: " قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ  " الأعراف: 109
قال الله تعالى: " فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " هود: 27

  ·        نرى هنا أن الآيتان تتكلم عن مجموعة تتصف بصفات اجتمعت عليها وظهرت بها فبذلك حدث لها امتلاء بهذه الصفات، ( فالملأُ ) هو أسم صفة لمجموعة أما اجتمعت على الخير أو الشر.
  ·        ففي عصرنا هذا يمكن أن نطلق مثلاً على رئاسة الوزراء أنهم الملأ من الشعب في بلد محددة وهم ملء لرئيس الجمهورية فهو الحكام الذي يعطي الأوامر ويرئسهم.
  ·        ولنكمل الكلمات من سورة (ص:69)، فعرفنا كلمة الملأ ماذا تعني بقي لنا كلمة ( الأعلى ) وهي اشتقت من الجذر اللساني ( علو )، فدعونا نعرف معناها أولاً من المعاجم .
  
   -       في معجم مقاييس اللغة ( لأبن فارس ) ( متوفى 395 هـ )؛ قال:
( علو ): العين واللام والحرف المعتل ياءً أو واواً أو ألفاً، أصل واحد يدل على: السمو والارتفاع، لا يشذ عنه شيء.
ومن ذلك: العلاء والعلو. ويقولون: تعالى النهار، أي ارتفع. قال الخليل: أصل هذا البناء العلو. فأما العلاء فالرفعة. وأما العلو فالعظمة والتجبر. يقولون: علا الملك في الأرض علوا كبيراً.. قال الله تعالى: " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ " القصص:4

    -       وفي معجم لسان العرب ( لأبن منظور ) ( متوفى 711 هـ )؛ قال:
( علا ): عُلو كل شيء وعلوهُ وعلاوته وعاليه وعاليته: أرفعه.
ويقال: علا فلان الجبل إذ رَقيه يعلوه عُلواً، وعلا فلان فلاناً إذ قهره. والعلي: الرفيع. وتعالى: ترفع.
والأعلى: هو الله الذي هو أعلى من كل عالِ واسمه الأعلى أي صفته أعلى الصفات. والعلو: ارتفاع أصل البناء.

   ·        دلالة أصوات حروف الجذر ( ع – ل – و ) :
ع: صوت يدل على عمق أو بُعد في الشيء.
ل: صوت يدل على حركة ثقيلة متصلة لازمة.
و: صوت يدل على ضم وتموضع الحركة في المكان.
( علو ): كلمة تدل على تموضع الحركة في مكان بعيد مرتفع.

   ·        فنحن نقول على الشخص المغرور هو متعالي على الناس لأنه بفعل الغرور قد ارتفع وأنعزل عن الناس معنوياً فأصبحت نفسيته متموضعه في مكان عالي عن التواصل مع الناس من حوله.
قال الله تعالى : " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " القصص: 83

  ·        فكلمة ( الملأ الأعلى ) تعني: هم مجموعة تتمركز في مكانٍ ما بعيداً عنا نحن البشر، في عالم الأمر الغيبي عنا المختص بالأله خالق هذا الكون وهم يتواصلون به مباشرة، يحملون كلمته منه ويُفَعِلونها في عالم الخلق المشاهد لنا.

  ·        أما عن كلمة ( الملائكة ) فهي جاءت من الجذر اللساني ( أَلَكَ ): ( ء – ل – ك ):
   -       في معجم مقاييس اللغة ( لأبن فارس ) ( متوفى 395 هـ )؛ قال:
( ألك ): الهمزة واللام والكاف أصل واحد، وهي تَحمُلُ الرسالة.
قال الخليل: الألُوكُ الرسالة، وهي المألَكُةَ على مَفْعَلٌةَ. وقول العرب: ( ألكني إلى فلان )، لمعنى تحمل رسالتي إليه.
استلأك فلان لفلان: أي ذهب برسالته.

    -       وفي معجم لسان العرب ( لأبن منظور ) ( متوفى 711 هـ )؛ قال:
ألك: قال الليث: الألوك الرسالة وهي المَألُكة، على مَفْعَلٌةَ.
قلت: ألكني إليها برسالة، إذ المعنى كُن رسولي إليها بهذه الرسالة. ألكني إليها بسلام: أي بلغها سلامي وكن رسولي إليها.
الملائكة: جمع ملأكة ثم ترك الهمز فقيل مَلَك في الوحدان، وأصله ملأك. ويقال: جاء فلان قد استألك مألكته أي حمل رسالته.

    ·        دلالة أصوات حروف الجذر ( ء – ل – ك ):
ء: صوت خفيف يدل على ظهور مفاجئ في الزمان والمكان.
ل: صوت يدل على حركة ثقيلة متصلة لازمة.
ك: صوت يدل على وقف، أو ضغط خفيف.
( ألك ): كلمة تدل على ظهور حركة مفاجئة في زمان ومكان محدد، وتستمر هذه الحركة في اتصال متلازم بشكل ثقيل، لينتهي في زمكان أخر محدد تماماً.

  ·        فكلمة ( الملائكة ) هي مشتقة جاءت من ذلك الجذر اللساني ( ألك )؛ وأضيف إليها في أولها حرف الميم وفي نهايتها حرف التاء المربوطة، فدلالة كلاً منهما هي :
م: صوت يدل على جمع متصل ينضم ويتداخل ويتكامل في أطار واحد.
ت: صوت يدل على اجتذاب واجتماع الحركات.

  ·        فكلمة ( ملائكة ) تدل على: تجميع شيء واحد أو أشياء متصلة ومتكاملة في قالب واحد، ثم يظهر هذا الشيء بعد تجميعه بحركة مفاجئة في زمان ومكان محدد، ويستمر في حركته بشكل متلازم وثقيل، لينتهي هذا التجمع الحركي في زمان ومكان آخر محدد.

  ·        أذن؛ ( الملائكة ) هي كائنات تتلقى أوامرها من الله تعالى مباشرة وهي حينها تسمى بـ ( الملأ الأعلى ) – فهم يسموا كذلك والذي منهم ( جبريل وميكال ) – فهم ملائكة الرحمن العليا وهم ( الملأ ) لأنهم يسجدوا لله تعالى فقط ولا لأحد غيره فهم الملأ الخاص به إذا أراد الله شيئاً أمرهم به فهم ( كن ) التي تنفذ أوامر الله تعالى فتعطي أوامرها ( للملائكة الدنيا ).

  ·        ( فالملائكة ) هم نظام يحمل معلومات ربانية ليطبقها فالملأ الأعلى حين يحمل هذه المعلومات المشفرة في عالم الأمر فيُصبح أسمهم حينها ملائكة ولكن عليا يُرسلها الله تعالى إلى الملائكة الدنيا التي بدورها تحملها هي الأخرى للإنسان في عالم الشهادة والخلق فيتحقق أمر الله تعالى.


  ·        فالملائكة التي سجدت لآدم ليست هي ملائكة الرحمن ( الملأ الأعلى ) إنما هي ( ملائكة الدنيا ) وقد جعل الله تعالى تطويعها لإرادة الإنسان، فهي النظام المعلوماتي الموجود في الكون مثل: ( الذرة والنواة والجينات ) فهذه ( رسل ) كيميائية وفيزيائية هي التي تحدد خواص كل موجود وقدراته وتتحكم فيه، وهذه هي التي أُمرت بالخضوع لآدم ( كجنس بشري كامل ).. 



No comments:

Post a Comment