إشكالية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
(باحث ومدرب في الدراسات القرآنية والفكر الإنساني)
هذا المقال أنقله لكم من صفحات كتابي الجديد الذي سينشر قريباً في مصر الذي يحمل عنوان ”نشأة الحياة“ من سلسلة كتب كاملة عنوانها ”سلسلة قصة الخلق والعمران“..
الكثير منكم سمع عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (النص القرآني)، وهناك نوعان من الناس في التعامل مع هذا الموضوع:
1- هناك صنف من الناس يؤيد بشدة فكرة الإعجاز العلمي في القرآن، ويحاول أن يقنع الناس ويدعو لهذه الفكرة.
2- وهناك نوع من الناس يرفض بشدة فكرة الإعجاز العلمي. وهؤلاء نوعان أيضاً:
أ- النوع الأول: هذا النوع يقدس العلم بشدة لذلك يرفض فكرة الإعجاز العلمي. ومن هؤلاء النوع (العلمانيون) كما تحدثت عنهم فيما سبق.
ب- النوع الثاني: هذا النوع يرفض فكرة الإعجاز العلمي لأنه يقدس القرآن الكريم، فلا يريد أن يخلط العلم الظني بالدين الثابت.
ما هو الإعجاز العلمي ؟ وهل حقاً هناك شيء يسمى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ؟
دعوني أوضح هذه النقطة بكل وضوح لمن يؤيد الفكرة أو يرفضها. لا يوجد شيء في القرآن أسمه "إعجاز" أن النص القرآني لم يستخدم هذه الكلمة قط. بل تكلم النص القرآني عن "الآيات" فقال التالي:
قال تعالى: ”سنريهم ءاياتنا في الأفاق وفي أنفسهم ...“ سورة فصلت: 53
وهناك ثلاث أنواع بمن يقول بفكرة الإعجاز العلمي؛ وهما:
1- التلفيق: وهم من يلفقون أي نظرية حتى ولو فرضية علمية لم تثبت حتى تتماشي مع كلام الله تعالى الحق.
2- التوفيق: وهم من يأتون بأحدث النظريات العلمية التي ثبتت والحقائق العلمية التي تم أثباتها تماماً ويتم موافقتها مع النص القرآني. لا بأس من هذا النوع رغم أنه يجعل العلم أولاً ثم يحاول أن يُفسر النص القرآني على هذا الأساس العلمي فقط وليس منطلقه هو النص القرآني ذاته.
3- التدبر: هذا النوع يفعل العكس تماماً – وهذا هو المطلوب – أن يجعل النص القرآني هو الأساس في الفهم ثم البحث عن حقائق ونظريات علمية مُثبته ولها شواهد ودلائل كثيرة. وهذا النوع قد يتنبأ بأشياء علمية المرجع فيها هنا النص القرآني ذاته الذي جعلنا نتنبأ ونجري التجارب لنرى صدق ما قاله النص ودرجة فهمنا وتدربنا له بدقة تامة.
قال تعالى: ”أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافا كثيراً“ سورة النساء: 82
قال تعالى: ”أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها“ سورة محمد: 24
إذن؛ علينا أن نُجري تحديث للمنهج العلمي الذي يُستخدم لتدبر القرآن الكريم. حيث أننا عندما نُريد أن نتدبر القرآن (نُفسره) نستخدم مناهج السلف القدماء أو نرجع إلى ما قالوه هم في تفسير القرآن ونستخدمه مرة أخرى ولكن بطريقة عصرية يمكن فهمها لغير المختص ! وهذا عمل لا أفهمه حيث أننا لدينا عقول خلقها الله لنا كي نتحرر بفكرنا بعيداً عن مبدأ التبعية للأخر (هذا ما وجدنا عليه آباءنا)، الذي يقول لك في الكثير من الأوضاع أغمض عينيك وأتبعني.
كيف ذلك ؟!
ولقد أرسل الله هذا الكتاب الكريم (القرآن)، لنا نحن جميعاً، لكل عابدٍ مسلم مؤمن بالله تعالى. دون وسيط بيننا وبينه سبحانه. حيث أنه لا يوجد كهنوت في الإسلام (شريعة الرسول محمد)، ولكن بعض من يقولون أنهم فقهاء هذا الدين يُنصبون أنفسهم وكأنهم هم الوسيط بيننا وبين الله تعالى !..
الله يقول لنا: "أفلا يتدبرون القرآن"، وهم يقولون لنا: "ما ترك السلف للخلف من شيء، فأتبعوا ما قاله السلف ولا تفعلوا البدع في كلام الله لأن كل بدعة الله ضلاله وكل ضلاله في النار"..
فترى نفسك في أخر المطاف أنك لست مسلم ولست على شريعة الله تعالى وتخرج من دينه وتكون كافر. هذا كله لأنك قررت فقط أن تُعمل عقلك في كتاب الله كما أمرنا سبحانه وتعالى ولكنهم جعلوك كافراً !! كيف يستوي هذا الأمر ؟!
وقد يسأل سأل ماذا تريد منا أن نفعل ؟!
أقول لك أيها السائل: ببساطة شديدة "أعمل عقلك، ولا تدعه لغيرك يسلبه منك"..
باختصار منهجنا في تدبر النص القرآني هو:
1- أننا نؤمن بصحة النص القرآن ذاته وأنه من عند الله تعالى لا تبديل فيه.
2- المرجع الوحيد في التشريع هو النص القرآني لا غيره.
3- الأحاديث النبوية هي كلمات للحكمة لا يؤخذ منها تشريع، فلا يوجد تشريع خارج النص القرآني.
4- عند تعاملنا مع التاريخ تكون المصادر هي:
أ- القرآن الكريم (النص القرآني).
ب- الأحاديث النبوية الصحيحة فقط.
ت- الحقائق العلمية (العلوم المساعدة للتاريخ، مثل: علم البيولوجيا، والفلك، واللسانيات، والآثار، وغيرها من العلوم المساعدة كلها).
ث- المراجع التاريخية القديمة والحديثة.
5- الرجوع إلى لسان القرآن (اللسان العربي)(1).
6- احترام سياق النص القرآني الخاص بالآية المراد تدبرها.
7- عدم أخذ نص وإهمال نص آخر في الموضوع المراد تدبره في النص القرآني (لا نأخذ القرآن عضين).
8- الحرف الواحد المُكون للكلمة القرآنية له دلاله فيزيائية(2)، تساعدنا في فهم دلالة الكلمة القرآنية + الرجوع لجذر الكلمات المراد تدبرها من المعاجم العربية القديمة.
*******************************************************************
(1) هذا المفهوم (لسان القرآن) هو مفهوم جديد أنحته في مشروعي الفكري وفي الفكر الإسلامي عموماً.
حيث أنه كما أشرت في مقدمة هذا الكتاب سيكون أحدى النظريات التي سأطرحها كاملة في سلسلة "نظرية لسان القرآن". وسأشرح بالتفصيل الدقيق جداً المنهجية الكاملة التي نحتاجها ونستطيع أن نستعملها في تدبر النص القرآني بمنهج حديث تماماً.
(2) فكرة "الدلالة الفيزيائية" لحروف الكلمات القرآنية هي أحدى عواميد "نظرية لسان القرآن".
No comments:
Post a Comment